المهندسة شهد القاضي
قالوا إن الإنسانية هي النور الوحيد في ظلام هذا العالم، فابتسمتُ بسخريةٍ فيها كل الألم، كل الخذلان، كل الحقيقة… أيُّ نور هذا الذي لا يُضيء إلا حين تلتقطه عدسة؟ أيُّ قلوب تلك التي لا تنبض إلا عندما تُصفّق لها الجماهير؟
الإنسانية… صارت ماركة مسجّلة، يُتاجر بها الساسة، ويستعرضها المشاهير، ويكتب عنها العابرون في منشورات أنيقة، ثم يمضون، ويتركون خلفهم واقعًا أبشع من الصمت.
أين كانت إنسانيتهم حين صرخ طفل تحت الأنقاض؟ حين سُرقت الأوطان، ونام الأبرياء على أرصفة الغربة؟ حين أصبحت الرحمة مشروطة، والنجاة انتقائية، والعدالة عمياء؟ أين كانوا حين كانت الحياة تذبل في العيون المكسورة؟ أين كانت "الإنسانية" حين أصبح الإنسان رقمًا، اسماً في لائحة مفقودين؟
كل ما في الأمر أن الإنسانية لفظٌ جميل، نردده في خطاباتنا، ونكتبه في شعاراتنا، لكننا لا نعيشه... لا نمارسه… لا نحمله في أفعالنا.
أنا لا أبحث عن كلماتٍ تواسيني، ولا عن دموعٍ على الشاشات، أنا أبحث عن إنسانٍ… يَشعُر قبل أن يُشاهَد، يَمدّ يده دون أن ينتظر الامتنان، يَرحم لأنه يعرف معنى أن تكون ضعيفًا، لا لأنه يملك القدرة.
كففتُ عن تصديق الشعارات، وصرتُ أبحث عن الإنسانية… في عيون الجدّات حين يُطعمْن الحفيد قبل أن يأكلن، في أيدي الغرباء الذين يربّتون على الأكتاف بصمت، في قلبٍ لا يَظهر، لكنه يُنقذ… في فعلٍ لا يُصوّر، لكنه يُغيّر.
الإنسانية… ليست ضوءًا في هذا العالم، بل شمعة صغيرة، نادرة… لا تراها إلا إن أغلقتَ كل الأضواء الزائفة من حولك.