بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
في زوايا الذاكرة، وتحت ضوء الذكريات التي لا تنطفئ، يسطع اسمٌ من أنقى الأسماء، ويعلو صوتٌ من أعذب الأصوات التي عرفتها في دروب العلم والنقاء… إنها معلمتي الفاضلة ريما يزبك، الإنسانة التي لا تُذكر إلا مقرونةً بالحبّ والعطاء، والمعلّمة التي صنعت الفرق، وتركَت في قلبي ووجداني طيب الأثر.
لقد كنتُ محظوظة حقاً أن كانت هي من حملت مشعل العلم في مادة اللغة الإنجليزية، في مرحلةٍ كان الحرف فيها يغرس، والفكر يُبنى، والروح تُشكَّل. كانت أكثر من مجرد معلّمة؛ كانت أمّاً تربّت على يديها أرواحٌ صغيرة، فغدَت كبيرة بطموحها، مزدهرة بحبّها للعلم، مفعمةً بالإيمان بقدرتها على التميز.
كانت المعلمة ريما تُدرّس اللغة الإنجليزية لا بوصفها مهنةً ولا وظيفةً تؤدى، بل كرسالةٍ سامية تُنقل من القلب إلى القلب، ومن الروح إلى الروح. كانت تعلّمنا وكأنها تنسج من الكلمات أعشاشاً من نور، تبني لنا فيها أجنحةً لنُحلّق في فضاء المعرفة. كانت تؤمن بأن القواعد ليست جافة، بل لحنٌ إذا أحسنّا ترتيله سمعنا فيه موسيقى الفهم والجمال، فكانت تُبسّط لنا القواعد الصعبة بطرقٍ مبدعة، وتُلخّصها كما تُلخّص الأم حكايا المساء، بحنانٍ لا يُضاهى، وبذكاءٍ يُدهشك في كل مرة.
أذكر جيداً ابتسامتها الوديعة، تلك التي كانت تسبق كلّ شرحٍ وكلّ تصحيح، وتغمر القلوب قبل العقول. أذكر تواضعها الذي لم يُشعرنا يومًا بفجوة بين المعلّم والمتعلم، بل كانت قريبةً منّا كقرب اليد من القلب، تُنصت، تُشجّع، تُحفّز، وتزرع فينا الثقة بأنّنا قادرون… قادرون على التعلّم، على الإنجاز، على الحُلم.
كانت تكرّر دائماً أن اللغة ليست كلماتٍ فقط، بل جسور تواصل بين الشعوب، وأداة تعبير عن الذات والهوية، فغرست فينا حبّ الإنجليزية لا من باب الحفظ، بل من باب الفهم، والتقدير، والاستمتاع. وكثيرًا ما كانت تقول إن لكلّ طالبٍ بصمة، وإن دور المعلم أن يكتشفها، ويفتح لها الأبواب، ويُمهّد لها الطرق… وقد كانت كذلك، مفتاحاً للغة، وجسراً نحو الثقة، ونبعاً من النُبل.
وإنّي مهما كتبت من كلمات، فلن توفيكِ حقّكِ يا معلمتي ريما، لأنّ الأثر الجميل لا يُقاس بطول الدروس ولا بعدد السنين، بل يُقاس بما تركه من نور في القلوب، وبما خلّفه من أثرٍ في الأرواح. لقد تركتِ في قلبي أثراً لا يزول، وحبًا للغة لا يخفت، وذكرى لا تنطفئ.
دمتِ منارةً في ذاكرتي، ونقطة ضوء في مسيرتي، ومثالًا يُحتذى في العطاء الخالص والإنسانية النبيلة. لكِ مني كلّ الحبّ والتقدير، والدعاء بأن يديمك الله أثراً طيباً في حياة كلّ من عرفكِ، كما كنتِ في حياتي… أثراً خالداً لا يذبل.