بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
هناك وجوه تمرّ في حياتنا مروراً عابراً، كظلٍّ على جدارٍ في مساءٍ غافل، لا تكاد تذكرها إذا ابتعدت. لكن هناك وجوهاً أخرى، حين تشرق في دروبنا، تترك في الروح بصمة لا تمحى، وتغرس في الذاكرة أثراً خالداً، كأثر المطر على الأرض العطشى، وكضوء الفجر حين يبدّد عتمة الليل. ومن هذه الوجوه المضيئة التي يحقّ لنا أن نفخر بها، الأستاذ أمجد سمير عيسى، ذاك الرجل الذي أجمع على محبته واحترامه كل من عرفه؛ أساتذةً وطلاباً، لأنه لم يختر القيادة منصباً يزيّن به اسمه، بل اتخذها خُلُقاً ونهجاً ومسؤوليةً يؤديها بصدق.
إنه ليس مجرد مدير لمركز اللغات في جامعة النجاح الوطنية، بل هو الروح النابضة فيه، والقلب الذي يوزّع الطمأنينة، والعقل الذي يدبّر بحكمة، والقدوة التي تُترجم معنى القيادة الحقة؛ قيادة تصنع الثقة قبل أن تفرض التعليمات، وتزرع المحبة قبل أن تطلب الطاعة.
لقد حظيتُ بفرصةٍ كريمة أن أتعاون معه حين تشرفت بتدريس مواد اللغة الإنجليزية، فوجدت نفسي أمام إنسان نادر، صاغ شخصيته من التواضع والرقي والخلق الكريم. كان حضوره مريحاً، وكلماته مطمئنة، وتعامله راقٍ إلى درجة تجعلك تشعر أنك أمام أخٍ حنون قبل أن تكون أمام مسؤولٍ إداري.
ولعل أكثر ما يميّزه أنّه لا يعرف معنى التردّد حين يتعلق الأمر بمساعدة الآخرين. أذكر أنّني واجهت يوماً مشكلة تقنية أربكتني، وما إن تواصلت معه حتى وجدت سرعة الاستجابة، ورحابة الصدر، ولباقة الرد. لم يتعامل مع الأمر كعبءٍ أو إضافةٍ إلى مسؤولياته، بل كجزء أصيل من رسالته الإنسانية. وهنا يظهر الفرق الجلي بين من يعمل بدافع الواجب فقط، فيُثقل كاهله كل تفصيل، وبين من يعمل بروحٍ صافية، يبتغي بها وجه الله، فينشر الخير وكأنه نسيم لا يتوقف. والأستاذ أمجد من الصنف الثاني، ذاك الذي يزرع أثراً حيّاً، وينسج خيوط العطاء بخيطان من الصدق والإخلاص.
وما أروع ما رأيته بعيني في قاعات الامتحان، حيث يتحول وجوده إلى لوحة من النظام والجدّية والحرص. أراه يخطط ويهيئ، يراقب ويتابع، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أعطاها حقها. وكم من مرة شهدت تعامله مع الطلاب حين واجهوا مشكلات طارئة، فإذا به يحلّها بذكاء وحنكة، وبلطفٍ يجعلك تدرك أن التواضع لا ينقص من الهيبة شيئاً، بل يزيدها بهاءً وجلالاً.
نعم، إنما الإنسان أثر… والأثر ليس في الألقاب ولا في المناصب، بل في القلوب التي تذكرك بخير، وفي المواقف التي تُحكى عنك جيلاً بعد جيل. أثر الأستاذ أمجد ليس كلمات تُقال في مناسبة، بل هو بصمة راسخة في ذاكرة كل من تعامل معه، وذكرى طيبة تتوارثها الألسن، لأنه جمع بين حلاوة المعاملة، وصدق النية، وصفاء القلب.
ولك يا أستاذ أمجد من اسمك أوفر النصيب: فالمجد يرافق خطاك، والأثر الطيب يخلّد سيرتك، والتواضع يرفع قدرك، والخلق الحسن يسطّر سيرتك بأحرفٍ من نور. لقد منحتنا درساً حيّاً في أن المجد الحقيقي لا يُكتب في المناصب، بل في القلوب، وأن أعظم إرث يتركه المرء هو أثره الطيب.
فلك منا كل تقدير ووفاء، وكل احترام ودعاء بأن يبارك الله في عمرك وعملك، ويجعل عطاؤك مشعلاً ينير الدروب، ويظل أثرك شاهداً على جمال الإنسان حين يعمل بما يرضي الله.