كلمتين لرضوى ......حوار وغضب

 


بقلم الكاتبة: رضوى رضا

التحذيرات ترشدنا لكننا دوما من نملك دفة التنفيذ، أنا أكتب الكثير من الحوارات يوميًّا: في الرواية، في السيناريو، بيني وبين نفسي أفكر، وأرد، وأجادل، وحتى مع الناس، لكن حين طُرح عليَّ سؤال: "مع من تودين أن تتحدثي؟" — توقفت.

أحيانا كثيرة تجد أن الاختيار صعب ربما لأنه لا خيار فعلا، وأحيانا لكثرة الخيارات. ويحدث أن أرغب في التحدث وكثيرا أفقد هذه الطاقة وأفضّل الصمت، وحين فكرت في تلك الأوقات التي أتحدث فيها بدافع غضبي؛ فأكون مدفوعة إلى التحدث بعدة حوارات تخرج بصوت عالي، أسمعها وأعيدها. 

آه من تلك اللحظات المؤلمة الغاضبة التي تجرحني.. أراها تقف أمامي، تضحك، وتخبرني: "انتصرت عليكِ."

فجأة حضرتني فكرة: لماذا لا يكون حواري مع الغضب؟

الغضب الذي يعتريني، ويجعلني كرة لهب تحرق دون توقف، تقول ما فيها، وتُطلق شظاياها التي تحرقها قبل غيرها، والهدف التخلص من رغبة في حرق من آذوها. الغضب الذي كلما احتلني — لن أقول زارني — بل هاجمني، أكل معدتي نارًا، دون رحمة، وخوفًا دون رأفة، وتعذيبًا دون شفقة.

آه منك يا غضبي... فلنبدأ هذا الحوار معًا.

ربما يأتي اليوم الذي لا تهاجمني فيه، ولا حتى تزورني.

أنا: أيها الغضب، لماذا تأتيني؟

الغضب: في الواقع يا عزيزتي، أنا لا أحضر من نفسي، بل أنتِ تستدعيني. أنا "ملك يمينك" — تحضريني فأحضر.

أنا: يمكنك أن تأتي بهدوء، دون أن تجعلني أصرخ...

الغضب: حتى هذه أنا لا أدفعكِ إليها. أنتِ من تصرخين.

أنا: أرغب بالتخلص من الألم الذي تُحدثه في جسدي.

الغضب: أنتِ من يشعر، وأنتِ من يقرر أن يصرخ ليتخلص من الألم.

أنا: حسنًا، كيف أتخلص منك؟

الغضب: أنتِ القادرة على ذلك... قادرة على أن تستقبليني بهدوء، وتعبرين عني برويّة، وتأخذيني إلى أقل درجاتي حدة. فكّري، ما الذي يجعلكِ تستدعيني؟

أنا: يغضبني كلام أحدهم أو تصرفه، فتحضر أنت، فأصرخ أنا.

الغضب: لماذا تُحمّلينني الأثر؟ لماذا لا تسألين نفسكِ قبل الاستجابة: ما الذي أثارني؟ ولماذا استدعيْتِ الغضب؟

أنا: شيء داخلي يثور... يذكّرني أن "هذا لا يجب"، أو أن "هذه إهانة"، أو أن "التصحيح واجب".

الغضب: وماذا لو قلتِ لنفسك إنه أمر ليس بالأهمية؟ وأنه لا شيء يستدعي الشعور بالإهانة، إلا إذا قرّرتِ أنتِ ذلك؟ هل يتغير شيء؟

أنا: ممكن، لكن هناك أخطاء بالفعل...

الغضب: وإن قررتِ إصلاحها بهدوء، ألا يصلُح الأمر؟

فيما مضى، مارستِ الرياضة لتتخلصي مني، وبالفعل تخلصتِ.

أنا طاقة زائدة تحملينها، بينما تحملين فوق ظهرك عبءَ الدفاع، والتصحيح، والتوضيح، وذنب غيرك، وألمه...

أنتِ تحملين ما لا يجب، ولهذا أزوركِ كثيرًا، وأنتِ تستجيبين دون وعي.

أنا: ما الحل إذن؟

الغضب: الحل أن تتصالحي، وأن تفكّري قبل أن تغضبي تعي الأمر وتضعيه في نصابه الصحيح.

أن تقومي ببعض التمارين قبل أن ترفعي صوتكِ معترضة.

أن تبتسمي لنفسكِ، وتذكّريها:

"لا شيء يستحق، وغضبي لن يُغيّر شيئًا. لكن هدوئي سيجعلني أمتلك كل شيء."

وتذكّري أيضًا:

"لو لم يكن لغضبكِ قيمة... لما غضبتِ؛ لذلك لا تجعلي للصوت العالي قيمة بل للهدوء"

ربما لن أتوقف عن الغضب، وربما سيزورني مرة أخرى بحدته وصوته العالي، لكني سأحاول استقباله كصديق أتى يحذرني وليس ليرهقني، بل إنذار داخلي يعلو حين تتخطى الأمور حدود قلبي.

أريد أن أكون قادرة على احتوائه لا أن أُحتوى به، أن أعبّر لا أن أنفجر، أن أتكلم لا أن أصرخ.

وفي كل مرة أشعر فيها أنني على وشك الانهيار،

سأحاول أن أذكّر نفسي:

"الغضب لا يغير شيئًا… لكن الهدوء يغيّر كل شيء."

وعلينا جميعا أن نعرف أن الغضب اختبار لقوة ما بداخلنا، وأنه طاقة استخدامها بشكل صحيح يبني، وإساءة استخدمها يجعلها مطرقة تحطم داخلنا وخارجنا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology