مهندسة شهد القاضي
محاطٌ بالحمقى… كأنك في مسرحٍ تتناثر فيه الأقنعة، وتُطفأ فيه المصابيح إلا من ضوءٍ خافتٍ يفضح السذاجة ويكشف العيون الفارغة.. تُدرك أنّك غريبٌ عنهم، لا لأنك تعيش في برجٍ عالٍ، ولا لأنك تترفّع بغير حق، بل لأنك أثقل وعيًا، أصفى بصيرةً، وأقدر على النفاذ إلى ما وراء الضجيج.
الحمقى يثرثرون ليملؤوا فراغ عقولهم، يصنعون من الكلام متاريس تحمي هشاشتهم، بينما أنت تختار الصمت، لا خوفًا ولا انسحابًا، بل لأنك تخشى أن تجرح هيبة الكلمات حين تُنفقها في سوقٍ رخيصٍ من العبث.. هم يرون صمتك عجزًا، وأنت تراه تاجًا يزين رأس الحكمة، ودرعًا يحفظ العقل من الغرق في وحلهم.
إنهم يتناوبون على العبث كأنهم يملكون الزمن، يوزّعون ساعاتهم على لا شيء، يضحكون على لا شيء، ويتشاجرون من أجل لا شيء.. أما أنت، فتدرك أن ساعة الرمل لا تتوقف لأجل هراء أحد، وأن اللحظة التي تضيع في عبثٍ لا تعود، وأن العمر أقصر من أن يُهدر في تتبّع أصواتٍ بلا صدى.
محاطٌ بالحمقى… فلا عجب أن تشعر بثقلٍ يطحن الروح، ولا عجب أن تشتاق إلى عزلةٍ نقية تُنقذك من صخبهم.. لكن الأعجب من ذلك أنك حين تُمعن النظر، تكتشف أن وجودهم منحةٌ متخفية؛ فهم يذكّرونك دائمًا أن النور لا يُدرك إلا إذا أحاطت به الظلمات، وأن العاقل لا يزداد يقينًا بحكمته إلا حين يلمس جدار الحماقة من حوله.
فالحمقى، وإن كانوا عبئًا، هم أيضًا مرآةٌ سلبية تعكس لك قيمة ما تملك.. إنهم يهبطون فيرفعونك، يفرغون فيزيدونك امتلاءً، يصرخون فيُضاعفون قيمة صمتك، ويتسابقون في الضلال ليثبتوا لك أنّ البوصلة التي بين يديك أغلى من كنوزهم الزائفة.
وحين تفهم ذلك، تكفّ عن الغضب، وتكفّ عن الألم، وتكتفي بالابتسام بمرارةٍ هادئة.. فأنت تعلم أنّ النسر لا يلتفت لصخب الغربان، وأن البحر لا يضطرب لزبدٍ عابر، وأن العقل الكبير لا ينهزم أمام ضجيج العقول الصغيرة.