بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة
الزواج عادةً ما يُصوَّر كعقد اجتماعي يربط بين قلبين وجسدين وروحين، لكن الحقيقة أن بعض الزيجات تتحول بمرور الوقت إلى مجرد "اتفاق سكني"، حيث يظل الزوجان تحت سقف واحد بينما انفصلت أرواحهما منذ زمن بعيد. ذلك ما يُسمى بالطلاق الصامت، أخطر أشكال الانفصال لأنه لا يُرى بالعين المجردة.
فالطلاق الصامت لا يحدث فجأة، بل يتشكل كغبار يتراكم على الزجاج حتى يحجب الرؤية. يبدأ من لحظة إهمال صغيرة، من كلمة لم تُقال في وقتها، من شعور لم يجد أذنًا تصغي إليه. ثم يتسع الشرخ تدريجيًا حتى يصبح كل طرف يعيش في جزيرة معزولة، محاطًا بجدران من الصمت.
علماء النفس يرون أن الإنسان يمكنه أن يتعايش مع الخلاف، لأن الصراع يولد طاقة تدفع لإصلاح ما انكسر، لكن الصمت المستمر يعني أن كل أبواب العودة أُغلقت، وأن كليهما قد توقف عن المحاولة. الصراع يعني وجود حرارة، أما الطلاق الصامت فهو برودة كاملة، موت بطيء لا يترك فرصة للحياة أن تُستعاد.
ومن زاوية فلسفية، فإن أخطر ما في الطلاق الصامت أنه يزوّر المعنى. فالناس يرون "زواجًا" بينما الحقيقة أنه مجرد تمثيل طويل. بيت قائم لكنه بلا دفء، وجدران صامدة لكنها بلا حياة. هنا يتحول الإنسان إلى كائن غريب في حضرة من يفترض أنه الأقرب، ويكتشف أن أقسى درجات الوحدة ليست تلك التي يعيشها وحيدًا، بل تلك التي يعيشها بجوار من لا يشعر به.
أما اجتماعيًا، فإن الطلاق الصامت ينتشر بصمت أيضًا، لأنه مقبول ظاهريًا. الأزواج يستمرون حفاظًا على الأبناء أو خوفًا من نظرة المجتمع، لكن الثمن يُدفع من أرواحهم، من أعصابهم، من قدرتهم على العطاء. ينشأ جيل جديد يتربى في أجواء باردة، يتعلم أن الحب واجب ثقيل لا دفء فيه، وأن الزواج إطار شكلي لا روح له.
الطلاق الصامت إذًا ليس مجرد فشل علاقة، بل هو جريمة بحق الروح والزمان، لأن الحياة أقصر من أن تُستهلك في صمت، وأثمن من أن تُهدر في ظل وجود شكلي. وربما السؤال الذي يجب أن يُطرح ليس: لماذا يحدث الطلاق الصامت؟ بل: لماذا نصرّ على البقاء في زواج لا حياة فيه؟
