— عن الأرواح التي تلتقي كل مساء لتشرب قهوتها دون أن تتذكر من تكون —
| مجيدة محمدي
أنا لا أذهبُ إلى المقهى لأشربَ القهوة،
بل لأنتظرَ وجهي يعودُ من الغياب.
في مقهى النسيان رقمَ ثلاثةَ عشر،
تجلسُ الأرواحُ حولَ الموائدِ مثلَ جملٍ ناقصةٍ،
تبحثُ عن فعلٍ مفقودٍ،
عن معنى مؤجَّلٍ منذ آخرِ حياة.
الوجوهُ هناكَ بلا ملامح،
كأنَّ الذاكرةَ قد أُفرغتْ في فنجانٍ مائلٍ،
والملاعقُ تدورُ على مهلٍ
تريد إلتقاط الزمنَ الهارب...
في كلِّ مساءٍ،
يدور النادلُ مثلَ ملاكٍ ضجرٍ،
يوزّعُ فناجينَ الدهشة،
ويكتبُ على الحائطِ بالطباشير ،
“من تذكّرَ نفسه، يُطرَدُ فورًا.”
نجلسُ طويلاً،
نبتسمُ بلا سبب،
نستمعُ إلى أغنيةٍ لا تتكرّرُ
لأنّ أحدًا لا يتذكّرُها بعد انتهائها.
إحداهنّ تضحكُ كما لو أنّها عرفتْ حبيبًا في حياةٍ سابقة،
ثمّ تسألُ: “هل قلتُ هذا من قبل؟”
ولا أحدَ يجيب.
تغفو الكلماتُ في أعيننا،
تتسلّلُ الأرواحُ إلى ما قبلَ الذاكرة،
نحنُ الظلال الذين نُعيدُ تمثيلَ أخطائنا القديمة
على مسرحٍ مهجور .
عندَ الإغلاق،
تطفأُ الأنوارُ ببطءٍ،
وتنسحبُ الأرواحُ إلى الغيبوبةِ الأولى،
كلٌّ يحملُ فنجانَه الفارغَ
كشاهدٍ على عدمِه.
وفي الصباح،
حين يفتحون المقهى من جديد،
تجدُ الطاولاتِ رطبةً
برائحةٍ تشبهُ الندم،
وكُرسيًّا مقلوبًا
تعثر به احد ما … حاول الهرب ...
