ا
بقلم الكاتبة ريم رفعت بطال ...
يسعى الإنسان بطبيعته إلى تحقيق السعادة، فهي الغاية الكبرى التي ينشدها كل فرد في هذه الحياة، ولا تكاد تنفصل عن مفهوم النجاح بمختلف أشكاله؛ سواء في العمل أو العلاقات أو تحقيق الذات. ومع تطور الدراسات النفسية والاجتماعية، لم يعد النجاح مرتبطًا بالذكاء العقلي وحده، بل برز مفهوم جديد لا يقل أهمية، بل قد يفوقه أثرًا، وهو الذكاء العاطفي.
ما الذكاء العاطفي؟
الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) هو قدرة الإنسان على فهم مشاعره الذاتية، وإدارتها بوعي، والتعامل معها بطريقة إيجابية تخدم أهدافه وتدعم نجاحه. كما يشمل القدرة على إدراك مشاعر الآخرين وفهم دوافعهم، والتفاعل معهم بمرونة وحكمة، بما يساهم في بناء علاقات إنسانية ناجحة ومتوازنة.
ولا يقتصر الذكاء العاطفي على كبت المشاعر أو تجاهلها، بل يقوم على الوعي بها وتوجيهها بالشكل الصحيح في المواقف المختلفة، سواء في أوقات الفرح أو الغضب أو الحزن أو التوتر.
العناصر الأساسية للذكاء العاطفي
أولًا: الوعي الذاتي
يُعد الوعي الذاتي حجر الأساس في الذكاء العاطفي، ويتمثل في قدرة الفرد على التعرف على مشاعره وفهمها والاعتراف بها، مع إدراك تأثيرها المباشر على سلوكه وقراراته. فالشخص الواعي بذاته يعرف نقاط قوته وضعفه، ويثق بنفسه دون غرور، ويمتلك روح الدعابة والقدرة على تقبّل النقد.
ثانيًا: التحكم الذاتي
التحكم الذاتي هو قدرة الشخص على إدارة مشاعره وتنظيمها دون اندفاع أو تهور. ولا يعني ذلك إنكار المشاعر أو قمعها، بل التعبير عنها في الوقت والمكان المناسبين وبالأسلوب السليم. ويتميّز أصحاب هذه المهارة بالمرونة، وسرعة التكيف مع التغيير، والقدرة على التحكم في التوتر وحل الصراعات بهدوء وحكمة.
ثالثًا: المهارات الاجتماعية
وتتمثل في قدرة الفرد على التواصل الفعّال مع الآخرين، وفهم احتياجاتهم ومخاوفهم ومشاعرهم. وتشمل هذه المهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي، وحسن الإصغاء، والإقناع، والقيادة، والعمل الجماعي. وغالبًا ما يكون الشخص الذي يمتلك مهارات اجتماعية عالية محبوبًا ومؤثرًا في محيطه.
رابعًا: التعاطف
التعاطف هو القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين وفهم حالتهم العاطفية، والتعامل معها بإنسانية واحترام. فعندما نلاحظ أن شخصًا ما يشعر بالحزن أو اليأس، يكون التعاطف دافعًا لتقديم الدعم والمساندة، والمساهمة في رفع معنوياته دون إصدار أحكام أو تقليل من مشاعره.
خامسًا: التحفيز الذاتي
تلعب الدوافع الذاتية دورًا محوريًا في الذكاء العاطفي، إذ تدفع الفرد للعمل بشغف وحب لتحقيق أهدافه وطموحاته. وغالبًا ما تكون هذه الدوافع أقوى تأثيرًا من الحوافز الخارجية كالمكافآت المادية أو الشهرة، لأنها نابعة من الداخل، وتسهم في تنمية الخبرات وتوسيع التجارب الحياتية.
كيف نكتسب الذكاء العاطفي؟
يمكن تنمية الذكاء العاطفي من خلال الممارسة المستمرة، مثل:
• التأمل في المشاعر وفهم أسبابها.
• تعلم مهارات التواصل الفعّال.
• تقبّل الاختلاف واحترام وجهات النظر الأخرى.
• التدريب على ضبط النفس في المواقف الصعبة.
• تنمية روح التعاطف والإحساس بالآخرين.
في عالم يتسارع فيه الإيقاع وتزداد فيه الضغوط، يصبح الذكاء العاطفي ضرورة لا ترفًا، وأداة أساسية لتحقيق النجاح والسعادة معًا. فالعقل وحده قد يقودنا إلى المعرفة، لكن القلب الواعي هو من يقودنا إلى الحكمة. ومن يمتلك الذكاء العاطفي، يمتلك مفتاح التوازن النفسي، وبوصلة العلاقات الإنسانية، وسر النجاح الحقيقي في الحياة......
