بقلم. / ربحاب مدين
نادي القاضي
القاضي: من أنت؟
العاشق: عاشق أبله… طغى قلبه على عقله فأحاله رمادًا.
القاضي: كم عمرك؟
العاشق: بضع أعوام عرفته فيها.
القاضي: أين تسكن؟
العاشق: في خياله.
القاضي: وما هي جريمتك؟
العاشق: قلب عالق بما ليس له.
القاضي: هل تتبرأ من جرائمك؟
العاشق: ليت المرء يبرأ من قلبه.
القاضي: هل ترى نفسك آثمًا؟
العاشق: أكثر الزهاد ورعًا ليسوا بمأمن مما طاف بي من آثام.
القاضي: وخطاياك معه؟
العاشق: ذكرياتنا معًا لا أعدها آثامًا ولا خطايا.
كانت وقتًا جميلًا فزت به معه… وقتًا لا يعوَّض.
وقتًا لم أحظَ بمثله في حياتي… ولا مع غيره.
هو الوقت الذي أنبت فيّ شيئًا لم أعرف وجوده.
القاضي: إذن فالوقت كان صديقًا لكما؟
العاشق: لم يعد.
القاضي: كيف؟
العاشق: صار يحسب علينا أيامًا… ونحن لا نحياها.
القاضي: لماذا؟
العاشق: لأننا لم نعد معًا.
القاضي: إذن ألفت معه الخطايا؟
العاشق: فرق الدين بين جسدينا… ولم يقدر على الفصل بين أرواحنا.
أتدري ما ألفته معه؟ وصال روحه.
كنت أتتلذذ بمناجاته سرًا وأنا وحيد في ليلي.
القاضي: وماذا ألفت معه أيضًا؟
العاشق: صمته، سكونه، صوته، همسه… حتى مراوغته وقسوته.
الخطايا تسعها الأجساد وحدها، أما الأرواح فلا مكان فيها لذنوب.
وما أصبنا من الجسد سوى رائحة تزكم أنوفنا بأمان لا نفسره.
القاضي: وماذا ألفت معه إذن؟
العاشق: ألفنا وقتًا أسكب فيه كلانا نفسه في الآخر.
ووقتًا ترفق فيه كل منا بظلمة الآخر.
القاضي: عليك أن تنجو من حبه.
العاشق: ابتغيت كل سبل النجاة… ولم أسلك في إحداها.
القاضي: ولِم لم تنه ما بينكما؟
العاشق: ما بيننا لا أملك إنهاءه وحدي.
هو ملك لكلينا… ولا يحق لأحدنا العبث به منفردًا.
القاضي: ما هذا الهزال؟ أنت سقيم؟
العاشق: عذرًا إن بدوت أمامكم جافًا…
قد أكون أمطرت في زمان مضى.
برق ورعد غامت به سماواتي أعوامًا… ومع ذلك أذبل.
أنا أمطرت في زمان آخر.
كان غيثي مدرارًا… والصحراء كانت قاحلة.
القاضي: عيناك غائمة… تجلد ولا تبكي؟
العاشق: عيناي أمطرتا في زمان آخر.
في مقلتينا مطرٌ يطوفُ
حملته سُحُبٌ ثقالُ غيامي
يبارينا مطرٌ وغيمٌ
يطلق سراحَ الريحِ في أنسامي
بكت عيني من فرطِ قسوته
وزهده في كل مرامي
فمن يداوي المحروم من ليلٍ
ومن شوقٍ… برحمني سقامي؟
أنا لا أذم الليل لقسوته
لكنني أنساق لما للشوق أحكام
غفرتُ لليل قسوته
وما جرى به… عسى أراه في أحلامي
أناصر هواه وإن كان يشقيني
بجهالته… صبأت ثم أعلنت إسلامي
طالتني سهام هجره
وكان مرماها قلبي… فلتسلم يد الرامي
يبغي الفراق ويرجو نسياني
وكيف تنجو من ذكراه أيامي؟
مولع بالكتمان يعشقني حقيقة
ويعدني حلمًا كسائر الأحلام
لي… وأنا له
جمعتنا يد الدهر
أو اقتلعت رياحه خيامي
