الكاتبة خلود الواكد
المرأة التي اوغلتْ في العمر، تستيقظ كل صباح مبكرةً، يتناهى إلى مسمعها صوت بكاء، مسرعةً تنهض من سريرها، تتجه نحو غرفة الطفل، تضع أذنها على الباب، لا صوت، تفتح الباب على مهل، تحرص على عدم أحداث اي ضجيج، تتأكد انه يغطُّ في نوم عميق، وأن غطاءه فوقه، لم يسقط على الأرض، تتلفت حولها تطوف بعينيها في الغرفة التي بالغت بالاعتناء بها، ثمة دمية على الأرض، رفعتها إلى الرف وضعتها بجانب باقي الدمى المصطفّة بجوار بعضها، جلستْ على الكرسي الهزاز بجوار سريره بعد أن التقطتْ الدمية القماشية المستلقية عليه التي خاطتْها في الخريف الماضي، وضعتها في حضنها، ضمتها بقوة، أخذ الكرسي يتأرجح للأمام وللخلف، ألقتْ بنظرها من خلال النافذة المغلقة التي تسلل من وراء ستائرها الشفيفة أشعة الشمس الدافئة، كانتْ ذرات الغبار تتراقص بجنون في ممر أشعتها، وعصافير شقيّة تلحق بعضه البعض داخل شجرة الصفصاف، تكنسُ الصمت بتغريدها الشجيّ، لحظات منسية أطلتْ برأسها من اعماقها، توالتْ الحكايات العتيقة في ذاكرتها، توقفتْ عند الزمن الذي تلا زواجها بسنتين، ذلك الوقت الذي لم تكفْ النساء عن سؤالها،( هل خبأتي لنا طفلا؟) ( هل امتلأ وعاؤك؟) ( متى سنفرح بقدوم طفلك؟). زمن قضته تتردد على الأطباء وعيادات النسائية، حتى أنّها زارتْ الشيوخ، وقصدتْ الأسواق الشعبية، ابتاعتْ ضروباً من الاعشاب التي لم تكن قد سمعتْ عنها، ولم تنسَ البخور بأنواعه، جربتْ الطّب العربي، لكنّها لم تكن تجد نتيجة، فشلتْ أُحبطتْ، استسلمتْ، ثم ما لبث ان بزغ الأمل من بين شقوق اليأس من جديد، ثم اكملتْ من حيث توقفتْ، تمادتْ في رسم الأحلام التي كانت تعيشها في يقظتها برفقة روح طفل لم تستطع رؤية ملامحه، لكن كانت دائما ثمة يد خفية تسحبها من أحلامها لتلقي بها الى أرض الانتظار المر، أصبح همُّ الرفيقات اللواتي يزرنها كل صباح ليحتسين قهوة الصباح معها ويتبادلن الثرثرة وأخبار أهل الحي أحلامها التي لم تتحقق، حاولن كل ضروب الادعية المستجاب والصلوات لأجلها.
ما كان يزيد اشتعال الحزن فيها وجود بيتها بجوار حضانة للأطفال، أطفال يأتون في الصباح برفقة أهلهم ليعودوا في المساء لأخذهم، عناقاً وتقبيلاً قبل الوداع، واحضان الأهالي تغرق فيها الأطفال بحنوّ دافئ، يتهادى إلى مسمعها أصواتهم وأحاديثهم الشقية، لم تكن تكتفي بالنظر إليهم من نافذة منزلها، كانت تنزل في كل صباح إلى الشارع بعد أن تتأكد أن كل الأطفال قد حضروا، كانت تعرفهم طفلاً طفلاً، وتلحظ غياب ايٍّ منهم، تقف أمام سور الحضانة تراقبهم خلسةً من خلف اغصان الأشجار التي زُرعتْ على الرصيف، ساعات تمضي دون أن تشعر، حتى يدركها التعب، تعود إلى البيت وقد اقتادتْ معها صورهم واصواتهم وحركاتهم، تعيش عليهم أياماً وليلٍ.
قاطع سهوها رنين هاتفها الذي تركته في غرفتها حتى لا ييقظ الطفل، نهضتْ بهدوء، برفق وضعتْ الدمية القماشية بجواره، خرجتْ كما دخلتْ، بهدوء مبالغ فيه أغلقتْ البابَ كي لا تتسلل روح الطفل المنتظر النائم من الغرفة.
إرسال تعليق