التغير المناخي وتأثيره على الاقتصاد في الأردن: بين التحديات الاقتصادية والأمل في التحول الأخضر




كتبت هيفاء غيث

في السنوات الأخيرة، أصبح التغير المناخي قضية عالمية ملحة تفرض نفسها على الأجندة الاقتصادية للدول، ويعد الأردن من أكثر الدول تأثراً بتداعيات التغير المناخي، باعتباره دولة تقع في منطقة تعاني من شح الموارد المائية وظروف مناخية قاسية، حيث تركت هذه التحديات أثرا على البيئة، وتركت بصمة واضحة على الاقتصاد الوطني.

أزمة المياه وضغوط متزايدة

يعد الأردن من أكثر الدول جفافاً في العالم، إذ يبلغ نصيب الفرد من المياه المتجددة أقل من 100 متر مكعب سنوياً، وهو أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي البالغ 500 متر مكعب للفرد، حيث انخفضت نسبة الهطول المطري بنسبة 15% مقارنة بالمعدل السنوي المعتاد وفقاً لتقرير وزارة المياه والري لعام 2024، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على المياه الجوفية التي أصبحت مهددة بالنضوب.


تفاقمت هذه الأزمة مع ارتفاع درجات الحرارة في عام 2024 بمعدل 1.5 درجة مئوية عن المتوسط السنوي، مما أدى إلى تبخر المزيد من المياه، والذي بدوره دفع الحكومة إلى تخصيص 1.2 مليار دولار لتطوير مشاريع تحلية المياه والبنية التحتية لإدارة المياه، مما يشكل عبء إضافي على الموازنة التي تعاني أصلاً من عجز مالي يقدر بحوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي.


الزراعة والأمن الغذائي..تراجع الإنتاج وزيادة التكاليف

كما شهد القطاع الزراعي في الأردن، والذي يوظف نحو 15% من القوى العاملة الريفية  ضغوطاً شديدة في 2024، نتيجة للجفاف وانخفاض معدلات الهطول، الأمر الذي أدى الى تراجع إنتاج المحاصيل بنسبة 20% مقارنة بعام 2023، خاصة في المحاصيل الحيوية مثل القمح والخضروات، الأمر الذي أجبر المزارعين على استخدام طرق ري مكلفة تعتمد على استخراج المياه الجوفية، وبالتالي رفع تكاليف الإنتاج بنسبة 25%.

ووفقاً لتقرير البنك المركزي الأردني، فإن انخفاض الإنتاج الزراعي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2024، مما زاد من التضخم الذي بلغ 4.1%، وهو أعلى معدل للتضخم في المملكة منذ خمس سنوات.


الطاقة المتجددة وفرصة للتحول الأخضر

رغم التحديات الاقتصادية التي يفرضها التغير المناخي، الا أن الأردن قد بدأ في استغلال فرص جديدة من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، حيث بلغ حجم استثمارات الأردن في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هذا العام  حوالي 600 مليون دولار، تزامنا مع زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة إلى 20% من إجمالي استهلاك الطاقة، مقارنة بـ 14% في عام 2023.


كما تعد الطاقة الشمسية واحدة من المجالات الواعدة في الأردن، حيث إن المملكة تتمتع بإشعاع شمسي يبلغ حوالي 330 يوماً في السنة. وعليه فإنه من المتوقع أن تصل القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية وحدها إلى 1.5 جيجاواط بحلول نهاية هذا العام. والذي بدوره يساعدد في التقليل من الاعتماد على النفط المستورد والذي يشكل حوالي 90% من احتياجات الأردن للطاقة، مما يوفر للدولة نحو 300 مليون دولار سنوياً.


السياحة البيئية في ظل تضرر المعالم الطبيعية وزيادة التحديات

قطاع السياحة والذي يشكل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي الأردني، تأثر بشكل ملحوظ بالتغير المناخي، فقد انخفض عدد السياح بنسبة 7% هذا العام نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتراجع جاذبية بعض المواقع الطبيعية مثل وادي رم ، والبحر الميت الذي يعاني من انخفاض مستمر في منسوبه بمعدل متر سنوياً حيث يواجه البحر الميت تهديدات بيئية قد تؤثر على السياحة العلاجية، وحسب التقاريرفإن الأردن قد يحتاج إلى استثمارات تقدر بـ 1.5 مليار دولار للحفاظ عليه واستغلال موارده بشكل مستدام.


التحول نحو الاقتصاد الأخضر ضرورة ملحة

في ظل هذه التحديات، يبقى التحول نحو الاقتصاد الأخضر أحد الخيارات الضرورية للأردن للتكيف مع تداعيات التغير المناخي. حيث بدأت الحكومة الأردنية، بالتعاون مع منظمات دولية مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تنفيذ خطط طويلة الأمد تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية.


ووفقاً لخطة التحول الأخضر 2024-2030، تهدف الحكومة إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 15% بحلول عام 2030، بالاضافة الى تعزيز الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة المستدام، والتي من المتوقع أن تخلق حوالي 50,000 فرصة عمل جديدة في قطاعات الطاقة والزراعة والابتكار البيئي.


 يواجه الأردن تحديات كبيرة نتيجة لتداعيات التغير المناخي، والتي تشمل أزمة المياه، وتراجع الإنتاج الزراعي، والضغوط على قطاع السياحة، فهل يستطيع خلق فرصة رغم هذه الصعوبات، للتحول نحو اقتصاد أخضر ومستدام من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة وتحسين إدارة الموارد الطبيعية؟


إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology