هيفاء غيث
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن، تتجه الأنظار بشكل متزايد نحو المشاريع الاقتصادية الصغيرة باعتبارها أحد أهم الأدوات لتحسين الوضع المعيشي للأفراد وتحقيق التنمية المستدامة، هذه المشاريع ليست فقط وسيلة لتوليد الدخل، بل تساهم في معالجة قضايا البطالة، وتحفيز الابتكار، ودعم الاقتصاد المحلي، مما يعزز من قدرة البلاد على مواجهة التحديات الاقتصادية التي برزت في السنوات الأخيرة.
أهمية المشاريع الاقتصادية الصغيرة
تحتل المشاريع الصغيرة والمتوسطة مكانة بارزة في الاقتصاد الأردني، حيث تشكل حوالي 98% من إجمالي الشركات في المملكة، وفقًا لإحصاءات وزارة الصناعة والتجارة لعام 2024، و تلعب هذه المشاريع دورًا أساسيًا في دعم الاقتصاد، حيث تساهم بنحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل لحوالي 60% من القوى العاملة، مما يجعلها محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
ففي ظل ارتفاع معدلات البطالة في الأردن، والتي بلغت حوالي 21.6% في عام 2024 وفقًا لدائرة الإحصاءات العامة، تساهم المشاريع الصغيرة في خلق فرص عمل جديدة، لا سيما للشباب والنساء في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء. فعلى سبيل المثال، يوفر قطاع الحرف اليدوية والصناعات التقليدية فرصًا للكثيرين، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الوظائف الحكومية.
كما توفر هذه المشاريع بيئة مناسبة للابتكار وتطوير أفكار جديدة تلبي احتياجات السوق المحلية والإقليمية. حيث شهد الأردن في عام 2024، نموًا في عدد الشركات الناشئة التي تقدم حلولًا مبتكرة في مجالات مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والزراعة الذكية، حيث تم إطلاق عدة مبادرات لدعم الزراعة المائية في المناطق الجافة، مما ساهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتقليل استهلاك المياه.
وتلعب المشاريع الصغيرة دورًا مهمًا في تحسين المستوى المعيشي للأفراد من خلال توفير مصدر دخل مستدام، إذ تمكن العديد من الأسر من الاعتماد على هذه المشاريع لتأمين احتياجاتهم اليومية، مما يسهم في تحسين رفاهيتهم والحد من الفقر، ووفقًا لتقارير البنك الدولي، ساهمت المشاريع الصغيرة في تقليص معدلات الفقر بنسبة 5% في المناطق الريفية خلال النصف الأول من عام 2024.
كما تساهم المشاريع الصغيرة في تحفيز النشاط الاقتصادي على مستوى المجتمع المحلي من خلال تقديم منتجات وخدمات تلبي احتياجات السوق المحلية، حيث يبرز دورها بشكل خاص في القطاعات غير التقليدية مثل الصناعات الحرفية، السياحة البيئية، والصناعات الغذائية التي شهدت نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة.
ومن الأمثلة على المشاريع الصغيرة الناجحة في الأردن عام 2024
مشاريع الزراعة العضوية حيث شهدت المناطق الريفية في الأردن نموًا ملحوظًا في عدد المشاريع الزراعية العضوية، التي تعتمد على تقنيات صديقة للبيئة وتلبي الطلب المتزايد على المنتجات الصحية، تعتبر مزارع "الواحة الخضراء" من النماذج الرائدة في هذا المجال، حيث تعتمد على تقنيات الزراعة المائية والطاقة الشمسية لزيادة الإنتاج وتحسين الجودة.
ويشهد قطاع الحرف اليدوية التقليدية مثل صناعة الفخار، التطريز، وصناعة الصابون من زيت الزيتون، ازدهارًا بفضل المبادرات الداعمة لتمكين النساء في المناطق الريفية، مثل "منتجات البتراء اليدوية" و"جمعية سيدات جرش" والتي ساعدت بدورها في تعزيز دخل الأسر وتمكين النساء اقتصاديًا.
كما شهد عام 2024 نموًا في عدد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، حيث برزت عدة مشاريع تقدم حلولًا رقمية مبتكرة للتجارة الإلكترونية والتعليم عن بعد، على سبيل المثال، منصة "تعلّم" المتخصصة في تقديم الدروس الافتراضية للطلاب في المناطق النائية أصبحت نموذجًا ناجحًا لتلبية الاحتياجات التعليمية في ظل التحديات التي فرضتها جائحة كورونا.
اقتراحات لتعزيز دور المشاريع الصغيرة في الأردن
إن أحد أكبر التحديات التي تواجه رواد الأعمال هو الحصول على التمويل، لذلك يجب على الحكومة والبنوك تقديم المزيد من القروض الميسرة وبرامج الدعم المالي للمشاريع الصغيرة، كمبادرة "تمكين" بالتعاون بين الحكومة والبنك المركزي لتوفير تمويل ميسر لرواد الأعمال الشباب في القطاعات الإنتاجية.
بالإضافة الى توفير برامج تدريبية متخصصة في إدارة المشاريع وتطويرها لضمان استمرارية النجاح، في مراكز الأعمال الناشئة وحاضنات الأعمال مثل "حاضنة عمان لريادة الأعمال" والتي تقدم دعمًا شاملاً من التدريب إلى التوجيه للشركات الناشئة.
ومع تزايد الاعتماد على التجارة الإلكترونية، فإنه من الضروري دعم المشاريع الصغيرة لتطوير حضورها الرقمي عبر منصات البيع الإلكتروني، حيث أطلقت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة برنامجًا لتدريب أصحاب المشاريع على تسويق منتجاتهم عبر الإنترنت.
كما أنه من المهم تحسين البيئة التشريعية من خلال تبسيط الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بتسجيل الشركات الصغيرة وإدارة الضرائب، مما يشجع المزيد من الأفراد على دخول سوق العمل الحر.
تلعب المشاريع الاقتصادية الصغيرة دورًا محوريًا في تحسين الوضع المعيشي وتعزيز التنمية الاقتصادية في الأردن، حيث تساهم هذه المشاريع في بناء اقتصاد مستدام وقادر على مواجهة التحديات، ومن الجدير بالذكر دور الحكومة في تقدير المشاريع الصغيرة وهو ما ترجمته زيارة دولة رئيس الوزراء جعفر حسان للجمعيات والاطلاع على المشاريع، خاصة المشاريع الخاصة بالسيدات وربات البيوت، مؤكدا على أهمية تقديم الدعم المناسب له، سواء من خلال التمويل أو التدريب أو تسهيل البيئة التشريعية، لتتمكن هذه المشاريع من النمو والازدهار، وبالتالي المساهمة بشكل أكبر في تحسين حياة المواطنين وتعزيز الاقتصاد الوطني في السنوات القادمة.