بين الظلام وإعادة التشغيل: قراءة في صرخة وجودية مغلّفة بالخيال

 



نقد أدبي – بقلم: منير النمر. شاعر وصحافي سعودي 


في زمنٍ تتسارع فيه الصور وتتلاشى المعاني خلف ضجيج الحياة اليومية، تأتي هذه القصة كصفعة صامتة تُعيد ترتيب وعينا بما حولنا. ليست مجرد قصة عن انقطاع الكهرباء أو شبكة هاتف لا تعمل، بل هي إعلان وجوديّ عن هشاشة الحضارة البشرية أمام قوة مجهولة، مرئية كانت أو غيبية.


ما يُلفت في هذا النص، أنه لا يركن إلى الإثارة السطحية، بل يشتبك مع القارئ من أول سطر: “الساعة تشير إلى الثامنة مساءً. يفتح التلفاز… لا إشارة.” هذه الجملة البسيطة تُوقظ إحساسًا دفينًا بالخطر، ثم تتوالى الأحداث بوتيرة بطيئة ولكن محكمة، لتعكس حالة الشلل الكوني، وكأن الزمن ذاته قد كُسرت ساعته.


القوة الحقيقية في القصة ليست في الحدث، بل في الفراغ. فراغ الصوت، الضوء، والاتصال، ذلك الصمت الأسود الذي يُصبح بطل النص غير المعلن. وكأن الكاتب يعيد توجيه بوصلة القارئ من الخارج إلى الداخل، من الضجيج إلى السكون، ومن الحضور إلى الغياب. وهذا بحد ذاته فعل أدبي جريء.


أما النهاية، فهي ذروة رمزية تفتح أبواب التأويل: “لقد أُعيد التشغيل”. جملة قصيرة، لكنها محمّلة بشحنة وجودية. من أعاد التشغيل؟ هل هو الذكاء الصناعي وقد تحوّل إلى خالق؟ أم هي قوة كونية أعادت اختبار الإنسان من جديد؟ هنا تتداخل الفلسفة بالدين، والخيال العلمي بالتصوف، والعجز البشري بالعبث التكنولوجي.


هذه القصة، وإن بدت قصيرة، تحمل بذور رواية كاملة، بل فلسفة زمن، بل صرخة شاعر يرى ما لا يُرى، في زمنٍ تعمى فيه البصائر.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology