حين يُطرد الحُب من القلب

 


بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة 



تخيّل أن تمسك يدًا تُحبها، فتجد بين أصابعها شوكًا لا زهرًا.. أن تنادي باسم من تسكنه روحك، فيجيبك بالصمت، أو ما هو أقسى من الصمت.. هل يُعقل أن تُذبح باسم الحُب؟ أن تُهان تحت لافتة "الغيرة"؟ أن تُعاقب لأنك وهبت قلبك؟!


ما أكثر ما نسمع عن علاقات تُوصَف بالحب، وهي في حقيقتها مزيجٌ من الابتزاز العاطفي، والعقاب، والخذلان، والخوف.. والحقيقة البسيطة التي يتهرب منها كثيرون أن الحُب لا يؤذي.. فمن أحبّك حقًا، احتضنك من الحياة لا دفعك في غمارها بلا حيلة.



في زمن باتت فيه الكلمات تُستعمل لأغراض لا تُشبه معانيها، أصبح الحُب أيضًا عرضةً للتحريف. نُسمي القيدَ اهتمامًا، والغيرةَ مرضًا باسم العشق، ونُلبس الخوفَ ثوب الأمان، ونُمرر القسوة تحت دعوى الحب الشديد.


لكن، لو وقفنا لحظة صدق أمام قلوبنا، سنُدرك أن هناك تناقضًا لا يمكن تجاوزه: الحب لا يؤذي.

المحبّ الصادق لا يعرف القسوة، لأن الحُب نفسه لا يعلّمها.

هو لا يساومك على كرامتك، ولا يُشعرك بأنك عبء، ولا يتركك تتهاوى في منتصف الطريق ثم يقول: "كنت أختبرك!"

الحب الحقيقي لا يختبر، هو يطمئن، ويسند، ويحضن جُرحك لا يضغط عليه.


يقول الرافعي:

"وفي مذهبي أنه إذا اجتمع الأذى والحب في قلب، وجب أن ينصرف الحب مطرودًا مدحورًا."

فكيف بمن يجعل من حضورك في حياته عبئًا؟ أو ممن يراك خصمًا لا حبيبًا؟

من يهن عليه حزنك، يهون عليه قلبك..

ومن يتركك تقاتل معاركك وحدك، لا يليق به أن يُلقّب بـ"السند".


العلاقات التي تُبنى على الخوف، أو التهديد العاطفي، أو الضغط تحت اسم "الغيرة" أو "الحرص"، ليست إلا علاقات مشوّهة..

الحُب ليس ساحة معركة، ولا حلبة اختبار.

إنه وطنٌ صغير، تشعر فيه بالأمان، حتى حين تضطرب بك الدنيا.


الحُب هو ذلك الشيء الذي لا يحتاج إلى دليل في لحظاتك الصعبة، لأن حضوره يكفي.

هو الدفء في برد الوحدة، هو اليد التي تُربّت على كتفك حين لا تملك الكلمات، هو "أنا هنا" الصادقة التي تُقال قبل أن تطلبها.


كما قال الرافعي أيضًا:

"لو خَلُص الإنسان من وهمه، لخلُص من همّه."

كم من علاقات نظنها حبًا، وهي مجرد أوهام نتعلق بها لنُخفي خواءً داخليًا؟

نحتاج أحيانًا أن نتحرر من وهم العلاقة، لنستعيد أنفسنا.



الحُب لا يُبرر الإهانة، ولا يتعايش مع الأذى..

وإذا شعرت في علاقتك بالخوف أكثر من الطمأنينة، وبالتوجّس أكثر من السلام، فأنت لا تحب، بل تتوهم الحب.


تذكّر:

الحب الذي يؤلمك أكثر مما يطمئنك، ليس حبًا.. إنه إنذار للمغادرة.

لأن الحُب الحقيقي لا يُخيف.. بل يُنقذك.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology