كتب محمود الشبول
في زمن تتسارع فيه الأخبار وتبهت فيه أسماء من صنعوا وهج الكلمة، تأتي مبادرة الصحفية صفاء الرمحي كنسمة صافية تعيد الاعتبار لأصحاب الأقلام الحرة. اختارت الرمحي أن تكرّم زملاء المهنة في يومهم العالمي بطريقة مختلفة؛ لا منصات تكريم رسمية، ولا تصفيق في قاعات، بل تكريم من نوع آخر: بطاقات تعريفية تنبض بالوفاء، تنشرها على منصاتها، تضيء بها أسماء الصحفيين الأردنيين والعرب، وتُعيد رسم ملامحهم في الذاكرة الجمعية للمتابعين.
تكريم بالكلمة والصورة
مبادرة الرمحي لا تتعلق فقط بالتعريف بالصحفيين، بل هي بمثابة رد اعتبار معنوي ومهني لهم. هي تعترف بأن وراء كل خبر ناجح، وملف تحقيق شجاع، ومقال رأي مؤثر، صحفيًا ربما لم ينل حصته من الضوء. فكل بطاقة تعريفية تنشرها، هي شهادة تقدير، وسرد مكثف لسيرة وجه إعلامي قديم أو جديد، ساهم في تشكيل الوعي، وصنع الأثر.
ذاكرة مهنية لا تموت
في ظل التغيرات السريعة في الإعلام العربي، كثيرون غابوا عن المشهد، لكنهم باقون في ذاكرة مهنتهم. تأتي هذه المبادرة لتعيد التذكير بهم، وتقول للأجيال الجديدة: "هؤلاء مرّوا من هنا، فتعلموا من سيرهم، واستفيدوا من تجاربهم". هي لحظة تأمل في مرآة المهنة، ورسالة غير مباشرة عن أهمية التوثيق وحفظ الذاكرة المهنية.
إعلام يكرّم نفسه
الأجمل في مبادرة صفاء الرمحي أنها لا تنتظر اعترافًا من مؤسسات أو دعمًا من هيئات، بل تنبع من شعور إنساني ومهني خالص. هي دعوة لأن يكرّم الإعلام نفسه بنفسه، وأن لا ينتظر من يصنع له مجده أو يحفظ أسماء روّاده. هي رسالة بأن التقدير لا يحتاج ميزانية، بل فقط نية صادقة وإيمان بقيمة الآخر.
دعوة للانتشار والتوسّع
هذه المبادرة تستحق أن تنتقل من منصات التواصل إلى مشروع مؤسساتي أكبر: قاعدة بيانات حية للصحفيين العرب، أو موقع إلكتروني توثيقي. فالصحافة العربية تحتاج إلى ذاكرة قوية، ومثل هذه الخطوات، وإن بدت فردية، قادرة على إشعال شرارة لمشروع أوسع، وأكثر استدامة.
في الختام
في مهنة تعوّدت على الجري خلف الخبر، ننسى أحيانًا أن نلتفت لمن يصنعونه. مبادرة صفاء الرمحي تذكّرنا بأن التكريم لا يحتاج قاعات ولا جوائز، بل يكفي أن نمدّ اليد لزميلنا ونقول له: "نراك.. ونقدّرك".
هي أكثر من مجرد بطاقات تعريف، هي دعوة مفتوحة لأن نعيد اكتشاف بعضنا البعض، ونوثّق سِيَر من حملوا شرف الكلمة ووجعها.
في يوم حرية الصحافة، شكراً لمن حررت أسماءنا من النسيان، وأعادت للصحفي احترامه وسط ضجيج المنصات.
ولعلها بداية لمشروع أوسع، يشمل كل من سار على درب الحقيقة، وترك على طريقها أثرًا لا يُمحى