بقلم د. مجدولين منصور
علموا أولادكم أن لا يؤمن أحدهم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه.
علّموهم أن هذا الحديث النبوي الشريف ليس فقط شعارًا يُتلى على المنابر أو يُكتب على جدران المدارس، بل هو نبراس حياة، مفتاح تصالح مع النفس، وجسر يصل القلوب بالقلوب في زمنٍ كثرت فيه الجدران وقلّت الجسور.
نحن نعيش في زمنٍ تتعالى فيه الأصوات المطالبة بالتميّز والنجاح الفردي، حتى بات البعض يظن أن سطوع نجم غيره يعني خفوت نوره. ولكن الحقيقة أصفى من كل هذا الغبار: حب الخير للآخرين لا يُنقص من رصيدك في الحياة، بل يزيدك نورًا وامتدادًا. فكل دعوة صادقة تُرسلها لغيرك، تعود إليك راحة في القلب، وطمأنينة في النفس، وتوفيقًا في الخطى.
تصوروا بيئة عمل يسودها هذا المعنى العظيم…
أفراد لا يتحاسدون، لا يضيقون بنجاح زميل أو تميّز مدير، بل يفرحون لبعضهم، يتقاسمون التجارب، يعلّمون من هم دونهم، ويتعلّمون من هم فوقهم. حينها فقط يصبح العمل ملاذًا لا معركة، بيئة إنتاج لا صراع، ومجتمعًا صغيرًا متصالحًا مع ذاته، ينعكس نوره على المجتمع الأكبر.
في العلاقات العاطفية، كم تفسد الغيرة القلوب، وكم تعمينا المقارنات عن حقيقة أن ما كُتب لغيرك لا يُنقص من رزقك شيئًا.
علّموا أولادكم أن يفرحوا حين يسمعون بخطبة صديق أو زواج جارة، أن يدعوا للآخرين بالسعادة والسكينة. ففي دعاء الخير لغيرك، دعاء خفي لنفسك.
أما المال، فهو أكثر ما يثير في النفس طمع المقارنة. ولكن… ما أجمل أن نعلّم أبناءنا أن رزق الله موزون بميزان الرحمة لا الظلم، وأن فرحتك بثروة غيرك لا تُفقرك، بل تُغنيك عن الحسد وتمنحك عينًا راضية، ونفسًا هادئة.
هذا الحديث الشريف – "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" – ليس فقط معيارًا للإيمان، بل مقياس لسلامة القلب، وصحة الروح. هو غرس يجب أن يُزرع باكرًا في قلوب الأطفال، فيكبر معهم، ويكبر بهم، ويصبح جزءًا من نبضهم اليومي.
علموا أولادكم أن يتمنوا الخير للناس كما يتمنونه لأنفسهم، أن يبتسموا حين ينجح الآخرون، أن يقولوا "مبارك" من قلبٍ لا يعرف الحسد، أن يصفقوا للنجاح، ولو لم يكونوا جزءًا منه.
ففي هذا حب، وفيه سمو، وفيه صدق الإيمان.
وفي نهاية الأمر…
من يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه، هو إنسانٌ نجا.
نجا من نار المقارنات، ومن لهب الحسد، ومن غبار التنافس السلبي.
هو إنسان متصالح مع نفسه، فاعل في مجتمعه، راضٍ في دنياه، وقريب من إيمانه.
فابدأوا من البيت، ابدؤوا من قلوب أطفالكم… وعلّموهم هذا النور.
لعلّنا نُعيد للحياة بعضًا من دفئها، وللإيمان بعضًا من جوهره