بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة
في زحام الحياة وعواصفها لا يُمكنك أن تُدرك جوهر علاقةٍ ما إلا حين تهتز ركائزها تحت وقع الخلاف فالعلاقات الحقيقية لا يُصنع صدقها في لحظات الفرح ولا تُختبر نواياها في لحظات التوافق بل تتجلى على حقيقتها حين يحدث ما لم يكن في الحسبان حين يعلو صوت الغضب وتشتعل مشاعر العتاب وتتبدل ملامح القرب إلى صمتٍ ثقيل هنا فقط يظهر من يحبك بحق ومن كان يُجاملك حضورًا ويرحلُ أول الطريق
ليست كل علاقة يُفسدها الخلاف وليست كل محبة تسقط حين تختلف الآراء هناك من إذا خاصمك عاد إليك بقلبٍ أنقى وكأن شيئًا لم يكن وهناك من إن اختلف معك هدم تاريخًا طويلًا من العشرة وأغلق الباب دون وداع وتركك تتساءل كيف صار الغريب أقرب من القريب
الخلاف في جوهره ليس شرًا مطلقًا بل هو بابٌ يُفتح على الحقيقة الخالصة لا يتجمل ولا يتصنع يكشف النفوس كما هي ويُميّز بين من يحمل لك مودةً حقيقية ومن كان مجرد ظلٍ في حياتك يرحل مع أول غروب
وكم من علاقة توطدت بعد خلاف وازدهرت بعد عاصفة لأن الطرفين اختارا أن يُكملا الطريق بنفس الوفاء ونفس الكرامة فالمحبة لا تُقاس بعدد الصور الجميلة ولا بكثرة الكلمات المعسولة بل تُقاس بالثبات عند العاصفة وبالاحترام وسط الغضب وبحفظ الغياب دون تشويه
العلاقات التي تبقى رغم المسافات التي لا تُهزم بالخلافات ولا تذبل إن تأخر الوصل هي علاقات نادرة تستحق أن نحافظ عليها وأن نُقاتل لأجل بقائها تلك التي يغضب فيها من يحبك ثم يعود ليطمئن عليك لا ليعاتبك والتي تخلو من الشتائم والخذلان حتى في أقصى درجات الألم تلك التي تحفظ كرامتك وإن اختنقت وتدعو لك بالخير وإن انكسر الرابط وتُذكرك برفق وإن غابت
والمواقف الكبرى لا تُبدد المشاعر الصادقة بل تبلورها تُعري الزيف وتُقوّي النقي منها فقط القلب الذي أحبك بصدق هو من لا يرضى أن يُهينك ولو في أشد لحظات غضبه ومن لا يتمنى لك إلا خيرًا حتى إن لم تلتقِ به ثانية
إن حقيقة الحب لا يُكشَف عنها الستار في اللحظات الجميلة بل في لحظات الانهيار حين تميل الكفة وتُختبر النوايا حين تصمت الكلمات وتتكلم المواقف حين تتغير الوجوه ويبقى فقط من يحمل في قلبه طهرًا لا تُغيره تقلبات الزمن
العلاقات القوية لا تُبنى على التشابه بل على الاحترام لا على التطابق بل على التسامح لا على حضور دائم بل على نية باقية حتى في الغياب لهذا لا تأسَ على من خذلك في أول خلاف ولا تتعلق بمن لا يعرف كيف يُصافح قلبك بعد عتاب تمسّك فقط بمن يعبر بك الخلاف بكرامة وبمن يُذكّرك بأن الحب لا يعني ألا نختلف بل يعني أن نختار بعضنا رغم كل شيء