الشاب الوسيم وعلى عكازين... يمضي كالأبطال



بقلم د. مجدولين منصور 

في صباح يوم هاديء، بينما كنت أعبر الساحة العامة متجهة إلى عملي، استوقفني مشهد لم أكن أتوقع أن يترك في داخلي كل هذا الأثر.

شاب في مقتبل العمر، وسيم الملامح، مهندم الهيئة، يعلو رأسه شيء من السكينة وكثير من الكبرياء. للوهلة الأولى، لفتني حضوره… لكن حين نظرت إليه جيدًا، من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، توقفت أنفاسي للحظة… كان يتكئ على عكازين.


أربكني المشهد.

ارتبكت مشاعري.

شعرت بشيء من الشفقة، أو هكذا خُيّل إليّ.


لكني لم أستطع أن أشيح بنظري. كان في خطواته البطيئة، المدروسة، شيء من الثقة التي لا تُشترى.

لم يكن مهزومًا كما ظننت، لم يكن منكسرًا كما اعتقدت.

بل على العكس… كانت كل خطوة منه، وكأنها صفعة على وجه أفكاري الساذجة.


جلست على مقعد قريب، أتبعه بعينيّ.

رأيته يضحك مع صديق، يفتح باب مكتبة، يناقش بائعًا في سعر كتاب، يسلم على عابر بابتسامة عريضة، وكأن العكازين امتدادٌ لجناحيه، لا قيدٌ لساقيه.


في داخلي، حدثتني نفسي:

كم مرة تذمرتُ من صداعٍ عابر؟

كم مرة شعرت أن الحياة ضدّي فقط لأن حلمًا تأخر أو مشروعًا تعثر؟

كم مرة أوقفتني عقبة صغيرة، بينما هو… يسير بعكازين، وكأنه يسابق الزمن، لا يتوقف، لا يتردد، لا يتوسل الشفقة.


هذا الشاب…

لم يمنعه جسده من أن يمضي، بل جعل من إعاقته وقودًا للاندفاع.

لم تكن العكازان ما جذبني، بل الروح التي تسكنه. روح تعرف تمامًا أن الحياة لا تنتظر الضعفاء، ولا تمهل المترددين.


عدت إلى ذاتي، كأنني أنظر إليها لأول مرة.

كم أنا سخيفة أحيانًا حين أتذمر من تفاصيل صغيرة، حين أظن أن العالم يجب أن يتشكل حسب مزاجي، أو أن الطريق يجب أن يكون مفروشًا بالورود.

ذلك الشاب… جعلني أكثر إصرارًا على أهدافي، أكثر وعيًا بقيمة ما أملك، أكثر امتنانًا لكل ما منّ الله علي به من نعم، لم أكن أراها إلا حين رأيت كيف يتعامل الآخرون مع نقصها.


الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في الفكر، في التردد، في الاستسلام.

هؤلاء ليسوا "ذوي إعاقة"، بل "أصحاب همم" كما يليق بهم أن يُسمّوا.


في نهاية المشهد، نهضت وأنا أشعر أنني ولدتُ من جديد.

هذا الشاب الذي لا أعرف اسمه، لم يكن مجرد عابر في طريقي، بل كان رسولًا خفيًا، جاء ليعلّمني درسًا بليغًا بلغة العيون والصمت والمضيّ قدمًا.


الحياة لا تتوقف عند أحد… ونحن إن أردنا، نستطيع أن نمضي أيضًا، بعكاز، بأمل، أو بإيمان. المهم أن نمضي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology