ليلى والزأزوء



 الكاتبة نجاح مطارنه


عندما كنا صغارا، كانت تحكي لنا الأمهات والجدات حكاية " ليلى والذئب الماكر" وعاشت تفصيلات القصة كاملة معنا، اختزناها بالذاكرة، حيث تحمل في طياتها حب الأحفاد لجداتهم، وتمثل التواصل الأسري بين أفراد الاسرة الواحدة. لا فواصل ولا فروق، هكذا احتفظنا  بذكريات القصة إلى أن كبرنا وأصبحنا نرويها كما هي لأحفادنا الصغار، كنت ارددها دوما إلى احفادي في ساعات الملل الطويلة. وكم كان يتملكهم شعور الغضب من الذئب الماكر الخبيث الذي حاول أن يفتك بجدة ليلى، كل واحد منهم يفسر مكر الذئب بأسلوبه الطفولي العفوي اللامحدود، مستنكرين خبثه وكيف أساء إلى جدة ليلى مبدين استعدادهم للقبض على هذا الماكر اللعين وقتله والخلاص منه، إلى أن جاء يوم لأحدث  حفيدتي  "جود" القصة كما هي تلبية لرغبتها بأن أجود عليها بقصة من قصصي المتكررة لتساعدها في الذهاب إلى النوم، ولسوء حظي رويت لها قصة ليلى و الذئب الماكر، كم راعني الوجوم الذي اصاب  الطفلة الجميلة، وكم احزنني بكاءها المرير لدى سماعها القصة كاملة حتى لعنت الشيطان علي ما رويت، وفوجئت بها  تصرخ بأعلى صوتها "تاتا الذئب لن يأكل جدة ليلى انا احب هذه الجدة ،، لا اريد أن يأكلها الذئب،،  سأضربه وسوف اقتله بمسدسي الذي احتفظ به في البيت، لا لا تحدثيني عنه مرة اخرى ،، انا اكره وامقته، حدثيني عن قصة أخرى".

 سألتها وانا اشعر بالأسي لما سببته لهذه الطفلة الذكية، من حزن عن ماذا تريدين أن أحدثك حبيبتي ؟ اجابت على الفور، حدثيني عن ليلى والزأزوء اجبتها. يا جود هل لي ان اسمع منك انت هذه القصة؟؟ ، هدأت برهة،  وسرحت قليلا،  ثم بدأت بسرد قصتها، يا للعجب طفلة العامين والنصف روت لي قصة رائعة هادفة من فكر طفلة لم يلوث عقلها ووجدانها خبث ولا زيف. قالت ببراءة الأطفال والكلمات تنساب من فمها كقطرات الندى تاتا "الزأزوء طائر حلو جميل ذو جناحين ملونين يطير فرحا من شجرة إلى أخرى ومن زهرة إلى زهرة ،  إلتقى  بليلى  في الطريق ،، سألها إلى أين انت ذاهبة يا ليلى ؟؟ اجابته إلى جدتي المريضة لأقوم بخدمتها وأقدم لها الطعام قطف وردة  حمراء جميلة وقدمها هدية لها طالبا منها أن تهديها لجدتها  وتقبل يداها نيابة عنه.   ورافقها في رحلة الطريق خوفا عليها من الاعداء الماكرين. إلى أن وصلت الدار فاستودعها الله.

هذه الطفلة التي عاشت في زمن يسوده الحقد والكراهية أبت ان تكون عنصرا سيئا في هذا المجتمع المقيت القاتل، لأنها نمت في

دائرة يغلفها الوفاء والمحبة، وغرفت من وعاء كبير يملأه التسامح لا يعرف الرياء والنفاق ولا الكراهية ليتنا نعلم صغارنا

قصة جود. " ليلى والزازوء" لا ليلى والذئب الماكر، لنملأ نفوس اطفالنا الأحبة بالحب والوفاء لا بالكراهية والحقد لنخلق جيلا نقيا صافيا، صحيح البنية والبنيان. وعقلا منيرا لخلق مجتمع فاضل بناء. وقلبا مليئا بالخير وضميرا حيا. ووجدانا صافيا لا يعرف الزيف، لينثر حبات الوفاء على صفحات هذا العالم العجيب عله يمحو بذور الشر والخبث ليعيش اطفالنا في عالم حر

يملأه الصفاء والمودة، والمحبة للجميع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology