مقال بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة
الحياة ليست دائمًا تلك الأغنية التي يرددها البعض بسذاجة: "الدنيا حلوة".
الحياة أحيانًا، وربما كثيرًا، تكون سياطًا تتهاوى على الظهر دون رحمة. تقسو... نعم، تقسو وكأنها كُلفت بتكسير أرواحنا قطرة قطرة، حتى لا يبقى فينا غير شبحٍ يتنفس بصمت.
وفي ركنٍ معتم من الذاكرة، نحمل مواقف لم نُفلح في نسيانها. جُمل عالقة في الحلق، ووجوه غادرت دون وداع، ونداءات استغاثة لم يُلبها أحد.
نحن مثقلون، لا بما حدث فقط، بل بما لم نستطع البوح به.
فكم مرة جلسنا في منتصف الليل نُحدّق في الفراغ ونفكر: لو كان هناك من يسمع... فقط يسمع، دون أن يُلقي علينا دروسًا جاهزة عن الصبر أو "إيجابية التفكير"!
العائلة، التي يُفترض بها أن تكون حضن الأمان، قد تصبح أحيانًا أول من يجرح.
الأصدقاء، الذين ظنناهم المرساة، قد يختفون حين تعصف بنا الريح.
ووسط كل هذا، نظل نحن... نحمل قلوبًا ترتجف، وذاكرة لا تمحو شيئًا، وغدًا نخشاه أكثر مما نترقبه.
ثم يأتي أحدهم، بنبرة مدهشة من الاستغراب، ليسأل:
"لماذا كل هذا الحزن؟ الحياة جميلة!"
كأن الجَمال قانون مُطلق لا يقبل الاستثناء. كأننا لم نحاول، ولم نمنح، ولم نُصلح، ولم نُهزم مرارًا.
هم لا يعرفون أن في داخلنا جراحًا لا تُرى، أن أرواحنا ليست بخير مهما ارتدت وجوهنا ابتسامة مهترئة.
وأننا كثيرًا ما رمّمنا أنفسنا بأنفسنا... بصمت، بدموع مخنوقة، وبقلب يُقنع نفسه أن الغد ربما يحمل بعض الضوء.
نحن لسنا ضعفاء، بل مثقلون.
نحن لا نبالغ في الحزن، بل نحمل من التجارب ما يكفي لندرك أن الحُزن ليس حالة مؤقتة، بل تراكُم.
كل مرة قُلبت فيها النية الطيبة إلى سوء فهم.
كل مرة طعَن فيها أحدهم ظهورنا ونحن ندير وجوهنا بالثقة.
الحياة لم تكن عادلة، لا معنا ولا مع الذين يشبهوننا.
لكننا نحاول رغم ذلك...
نُكمل الطريق، نرتب شتاتنا، نمنح من بقاينا حبًا، ونغرس في أرضٍ قاحلة زهرة، على أمل أن ينبت شيء جميل يومًا ما.
فلا تقل لنا: "الحياة جميلة"...
قل: "أنا هنا، وإن ضاقت بك الأرض، سأكون وسادتك حين تبكي".
قل: "أعلم أن الصبر صعب، وأنك لست بخير، وسأنتظرك حتى تستعيد نفسك".
قل أي شيء... لكن لا تُنكر وجعنا.
ورغم كل القسوة التي نحياها، يبقى الأمل خيطًا رفيعًا نتشبث به كي لا نسقط في العدم. نحن نحتاج إلى القلوب الرحيمة أكثر من حاجتنا إلى النصائح الباردة. إلى يدٍ تُربّت على الكتف، وصوتٍ صادق يقول: "أنا أشعر بك".
فالحياة ليست جميلة دائمًا، لكنها قد تُصبح أهون حين نتقاسم وجعها مع من يُدرك أن الإنسان لا يحتاج سوى لمَن يمنحه لحظة صدق ودفء في هذا العالم الموحش.