لا تصافح يدًا أدمت قلبك

 


مهندسة شهد القاضي



إلا قلبك…

لا تسامح من أذاه، ولا تعتذر عمّن كسره، ولا تمنح شرف العفو ليدٍ كانت يوماً تلوّح بسكينها في ظهرك… قلبك أنت، لا تَعُدّ فيه، فلست تملك سواه لتُحصي خسائره أو توزّع أنصافه على من لا يستحقّ.. ليس بيتاً عاماً ليدخله العابرون ويعلّقوا على جدرانه أوجاعهم ويرحلون، ليس حديقة مهجورة يخطّون على جذوعها أسماءً باهتة ويتركونها للنسيان.


إلا قلبك… ذاك الذي ربتَّ عليه حين ضاقت بك الحياة، وسهرت معه ليالٍ طويلة تتفاوض معه على البقاء، ذاك الذي خبّأ أسرارك، وغفر لك ما لم يغفره لك أحد، وحمى ضعفك حين ادّعيت القوّة أمام الجميع.. كيف تهديه اليوم للذين أدموه؟ كيف تعتذر عن حزنه أو تساوم على حقّه في أن يُشفى دون أن يقتسم الشفاء مع من أوصله للنزيف؟


لا تسامح من جعلك تفتح عينيك على سقف غرفتك ليلاً مثقلاً بالخذلان، تتساءل ألف مرّة: كيف وصلتَ إلى هذا الألم؟ كيف سمحتَ لهم أن يعبثوا بهذا القلب حتى أطفؤوا فيه نور الحلم؟


إنَّ أسوأ ما قد تفعله بقلبك أن تغفر لمن لم يطلب المغفرة، أو تُقاسم من خذلك ورد الحقول بعد أن سرق منك سنابلك اليابسة.. كن نبيلاً مع الدنيا كلّها، إلا حين يتعلّق الأمر بقلبك.. فلا تسمح للغريب أن يدقّ بابه مرّة أخرى، ولا تفتح للنادم باباً للعودة إن جاءك خالي اليدين من صدقٍ أو جبرٍ أو ندمٍ حقيقي.


إلا قلبك… هو حقلُك المقدّس، حصادُ عمرك، وصندوق أسرارك، وسرّ بقائك على قيد الضوء وسط هذا الليل الفادح.. إن سامحتَ الجميع، فدَع لهذا القلب بعض الإنصاف: دعه يحتفظ بحقّه في أن لا يُعاد طعنه بنفس اليد التي امتدّت له يوماً كي توقظه من حلمٍ جميلٍ إلى كابوسٍ مُرّ.


ازرعه بالطمأنينة، اسقِه بالصدق، واحمِه من الذي يبتسم لك وفي عينه غدر قديم… قل للذين عادوا متأخّرين: لن أكرّر خطأ استقبالك في حضنٍ أنكرتَه حين احتجتَه أكثر.


إلا قلبك… إن خذلك العالم، احتضنه أنت.. وإن نكثوا كلّ وعودهم، أوفِ له أنت.. وإن رحلوا جميعاً، كن أنت المقيم الذي لا يخذله ولا يتركه معلّقاً على بوّابات الغياب ، دَعْه يحيا بكرامة، وإن كلفك ذلك بقاءك وحيداً.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology