بقلم الكاتبة الصحفية/ سهام فودة
في زمنٍ تتبدّل فيه الوجوه بسرعة، وتغدو المشاعر مؤقتة كظلّ الغيم، يصبح التمسّك بالأشخاص الحقيقيين عملاً بطولياً يستحق أن يُروى. لا تلتفت لمن يقترب حين يملكه الفضول ويبتعد حين يحتاجك قلبك، فالعلاقات لم تُخلق لتُختبر على الهامش، بل لتُثبت بالثبات، ولتُزهر بالمواقف لا بالكلمات. تمسّك فقط بمن يتمسّك بك، بمن يراك حين يتجاهلك الجميع، بمن يقدّر قيمتك دون أن تُذكّره، ويشعر بأن وجودك إضافة لا عبء.
تمسّك بمن لا يغيب عنك في لحظة ضعف، بمن يكون لك وطناً حين تتبعثر خطاك، بمن إن قال “أنا هنا” صدّق الفعل قبل القول، فبعض القلوب تفي بوعدها دون قسم، وبعضها يخذل دون عذر. لا تركن إلى من يرفع الشعارات الكبيرة عن الوفاء ثم يتركك تتكئ على فراغ، بل اقترب من أولئك الذين يحضرون بصمتٍ مطمئن، حضورهم كالأمان، وغيابهم كالعتمة.
إن الذين يحبّونك حقًّا لا يغمضون عيونهم قبل أن يرضوك، ولا يهدأ لهم بال إن علموا أنك حزين. يشعرون بحزنك كأنه يمسّهم، يواسونك دون سؤال، ويقاتلون لأجلك في الخفاء قبل أن تُفصح بالكلمات. تمسّك بمن يفرح لفرحك كأنه نصرٌ له، وبمن يوجعه وجعك دون أن تُفسّر له ما بك. فهناك قلوب تعرفك بنبضك، وتفهمك قبل أن تتكلم.
تمسّك بأولئك الذين يُقدّرون تضحياتك، الذين لا ينسون ما فعلته يوماً لأجلهم، ولا يجعلون إخلاصك شيئاً مُستباحاً. لا تبحث عن الكثرة، بل عن الصدق، فشخص واحد حقيقي يغنيك عن مئة وجهٍ مزيّف. لا بأس إن كانت دائرتك صغيرة ما دامت نقية، فالقيمة ليست في العدد، بل في الصدق الذي يسكنها.
الحياة لا تُقاس بعدد الذين حولك، بل بنوعية من يختار البقاء مهما تغيّر كل شيء. تمسّك بمن لا يرحل حين تعصف بك الأيام، بمن إذا انكسر قلبك جلس ليجمع شتاته معك، بمن يراك جميلاً حتى وأنت مُنهك. تمسّك بذلك الشخص الذي يراك حياةً، لأنك حين تظفر به تكون قد وجدت خلاصك من زيف العالم، وعزاءك من قسوته، وتكون قد ملكت الحياة في إنسان واحد.
فالباقون؟ دعهم عابرين في الهامش، إضافات مؤقتة في فصول عمرك، وجودهم لا يغيّر شيئاً، وغيابهم لا يُنقص من صفو روحك شيئاً. تمسّك فقط بمن يعادل الحياة، فبعض اللقاءات لا تُعوّض، وبعض القلوب خُلقت لتكون لك وحدك.
