أ
تأليف: بلعربي خالد _هديل الهضاب
مونودراما من فصل واحد
الشخصية :
المنظّف – رجل بسيط، في منتصف العمر، يعمل منذ سنوات في قاعة العرض المسرحي.
صادق، ساخر، عفوي، لكنه يحمل في داخله شغفًا دفينًا بالفن والمسرح.
الزمن والمكان:
قاعة مسرح بعد انتهاء عرض مسرحي.
الوقت: منتصف الليل.
إضاءة خافتة، صوت خفيف لمكنسة تُجر على أرض المسرح.
(إضاءة على المنظّف وهو يكنس الخشبة، القاعة شبه مظلمة إلا من ضوء باهت من كشاف فوقه.)
المنظّف:
هاه… انتهى العرض… ضحكوا، بكوا، صفقوا، ورجعوا لبيوتهم.
وأنا؟ بقيت هنا… أجمع تصفيقهم من على الأرض.
حتى التصفيق صار غبارًا!
(ينظر نحو المقاعد)
كل كرسي في هذه القاعة شاهد أكثر مني… شاهد دموعهم المزيفة وأحلامهم الحقيقية.
أما أنا، فأنا المنظّف… منظّف الحقيقة بعد أن تنتهي المسرحية!
(يتجه نحو الكواليس، ثم إلى غرفة الملابس، يفتح الباب بتردد.)
المنظّف (بدهشة):
يا سلام! شوفوا الفخامة!
عباءة ملك، قبعة مهرّج، فستان أميرة…
(يمسك بعباءة)
وهذه؟ روميو؟
(يحاول تقليد صوت روميو بعفوية مضحكة)
"أه جولييت، يا شمس في السماء، أشرقي فتموت الغيرة في القمر!"
(يضحك)
آه يا روميو… لو كنت فنان اليوم، ما اشتريت حتى وردة واحدة تقولها لجولييت، الأسعار قتلت الشعر يا ولد!
(ينتقل بين الأزياء بحماس طفل.)
المنظّف:
وهنا… "تاجر البندقية"! شايلوك!
(يتقمص الشخصية بصوت غليظ ساخر)
"إذا وخزتمونا ألا ننزف؟ إذا أضحكتمونا ألا نضحك؟"
(يتوقف، بصوت حزين)
وإذا جُعنا… ألا نموت؟
(ينظر إلى الجمهور)
آه يا شايلوك، نحن أيضًا نطالب برطل من اللحم… لكن من أين؟ من جيب من؟
(يصمت قليلًا ثم يضحك لنفسه.)
المنظّف:
اليوم أنا روميو الفقير، وغدًا جولييت المعدمة، وبعده شايلوك الباحث عن عدل في محكمة الفن!
كلنا نؤدي أدوارنا في الحياة، لكن الفرق… أن الممثل له نص، وأنا لي قَدَر!
(يخلع القبعة، يتحدث بصدق)
المنظّف:
الفنان عندنا بطاقة لا تُطعم الجوع،
شهادة لا تفتح بابًا واحدًا،
ولا تُطفئ مصباحًا في بيتٍ بارد!
يقولون: “أنت فنان!”
وأنا أقول: “أعطوني فرصة فقط!”
فرصة لأقول كلمتي…
لأعيش لحظة فوق الخشبة…
من دون أن أُكنس بعدها ما تبقّى من أحلام الآخرين!
(يصمت، يتنفس بعمق. فجأة يسمع تصفيقًا خفيفًا من الخلف.)
المنظّف (مرتبكًا):
مَن هناك؟ مَن يصفق؟
(إضاءة خافتة تكشف رجلًا جالسًا في المقعد الأخير — المخرج.)
المخرج (بهدوء وهو يصفق):
برافو… برافو يا فنان.
لم أكن أبحث عن نجمٍ جديد…
كنت أبحث عن صدقٍ قديم.
وجدته الليلة بين مكنسة وعباءة.
(المنظّف ينظر إليه مترددًا، ثم يبتسم بخجل.)
المنظّف:
يعني… أخيرًا صفق لي أحد… حتى لو صدفة.
(صمت قصير… ثم تصفيق المخرج يعلو، والإضاءة تتلاشى ببطء حتى العتمة الكاملة.)
النهاية
