مهندسة شهد القاضي
خبّئ وردك لمن يستحقه، لا تفرش عبيرك على أكتافٍ لا تعرف معنى الندى، ولا تسقِ قلوبًا عطشى إلى التملك لا إلى الود.. فبعض القلوب لا ترى في الورد سوى زينةٍ للظهور، وبعض الأيدي لا تمتد إليه إلا لتقطف، لا لتحتضن.. خبّئ وردك، لأن في هذا العالم من يطلب رائحتك لا روحك، ومن يهوى ضوءك لا دفء حضورك.
خبّئ وردك حتى تجد من يقدّر أن الورد لا يُهدى عبثًا، وأن العطر ليس زينةً للهواء بل رسالةً صامتة تُقال حين تعجز الكلمات.. خبّئ وردك عن الذين يستهلكون النقاء، أولئك الذين يمدّون أيديهم بإسم الحنان، ثم يتركون فيك أثر شوكٍ لا يُنسى.. لا تمنحه إلا لمن يراك غرسًا ثمينًا، لا عابرًا في بساتينهم المؤقتة.
هناك من يمرّ على روحك كما تمرّ الريح على الزهر، تأخذ ما تشاء وتمضي دون أن تلتفت إلى ما تركت.. وهناك من إن حضر، نام الورد مطمئنًا في حضن أمانه.. فاجعل وردك لذاك الأخير، لذاك الذي يراك فردوسًا لا فصلاً من المواسم، والذي حين يقبض على بتلاتك، يفعلها كما يمسك المؤمن بآيات الرحمة.
خبّئ وردك، لأن في العطاء المفرط موتًا صامتًا للجمال.. لأنك إن أعطيت بلا وعي، ستستيقظ يومًا على يديك خاليتين من اللون والعطر والدهشة.. امنح قلبك وقتًا ليُدرك من يستحق ومن يتظاهر بالاستحقاق، فكم من وجهٍ باسمٍ أخفى شوكة، وكم من كلمةٍ عذبةٍ خبّأت خلفها صقيعًا لا يُحتمل.
الورد لا يليق بمن يجهل طقوس الورد، ولا تُهدى البتلات إلا لمن يَفهم صمتها.. امنح وردك لمن يقترب منك بخشوعٍ، لا استعراضًا، لمن يراك كما أنت لا كما يريدك أن تكون.. لمن حين تهديه زهرةً، يردّها حياة.
خبّئ وردك لأن بعضهم لا يرى الجمال إلا حين يفقده.. حين تغادر، يكتشف أنه كان يمرّ بجنةٍ لم يزرع فيها سوى اللامبالاة.. فدع وردك بعيدًا عن أولئك الذين لا يَعرفون الحنين إلا بعد الفوات.
ولتعلم أن الوردة التي تُعطى بلا حساب تفقد سرها.. فالعطر لا يُقدّر إلا حين يُنثر في مكانه الصحيح، في قلبٍ يعرف طهارة العطاء.. كن كريمًا، نعم، ولكن حازمًا في كرمك.. لا تبعثر نبلك على أرصفة لا تعرف سوى الدوس، ولا تزرع نفسك في أرضٍ لا تعرف معنى الجذور.
خبّئ وردك يا صديقي، حتى يأتي من يراه وطنًا، لا تذكارًا عابرًا.. من يفهم أن كل وردةٍ منك هي وعدُ صدقٍ، وذرةُ حبٍ نقيةٍ من شوائب الغايات.. خبّئ وردك، لأن بعض الهدايا لا تُعطى إلا مرةً واحدة في العمر، ولأن أجمل ما في الإنسان حين يحتفظ ببعضه، لمن يستحقّ أن يزهر معه لا أن يذبل به.
فكن حارسًا على حديقتك، واسعَ لأن يزهر فيك الجميل، لكن لا تفتح أبوابك لكل من يطرق.. فإن للورد كرامةً لا تُنال إلا بالنية الطيبة، وللرائحة سرًّا لا يُفصح عنه إلا قلبٌ يعرف أن الحبّ ليس عبورًا، بل إقامة.