بقلم قمر عبدالرحمن /فلسـ.ـطين
بلا شك يمكننا أن نصنع من الحلم وطنًا، ومن الكلمة قدرًا، كما فعل الأديب الفلسـ.ـطينيّ إبراهيم نصر الله (مواليد 1954) شاعرٌ وروائي، كتب أكثر من 22 رواية و15 ديوانًا شعريًا، أبرزها مشروع "الملهاة الفلسطينية". أعماله تجمع بين السرد والشعر في الدفاع عن الذاكرة الفلسـ.ـطينيّة.
في كل زمنٍ تتراجع فيه الأسئلة الكبرى، يظهر كاتبٌ يذكّرنا بأن الأدب ليس ترفًا، بل هو مقـ.ـاومة الضوء ضد النسيان. ذلك هو الأديب إبراهيم نصر الله، الروائي الذي جعل من اللغة بيتًا لفلسـ.ـطين، ومن الذاكرة جغرافيا لا تُحتل.
لم يكن نصر الله يومًا راويًا للوجع فحسب؛ كان مؤرّخًا للحلم، ومنقّبًا عن نُبل الإنسان في ركام المأساة. على مدى أكثر من أربعة عقود، كتب الحياة كما تُكتب القصيدة، كتب الخسارة كخللٍ مؤقت، وكتب المنفى كطريقٍ إلى المعنى، وكتب العودة كاحتمالٍ لا يموت.
في روايته الخالدة "زمن الخيول البيضاء" صاغ ملحمةً تمتد من غبار القرى الفلسطينية إلى وهج الروح الإنسانية. لم تكن الرواية مجرد سردٍ لتاريخٍ مفقود؛ كانت خريطةً للأمل، ومرآةً يرى فيها العالم وجه فلسـ.ـطين كما لم يره من قبل: نبيلاً، شامخًا، حيًّا في ذاكرة الحبر.
واليوم، حين تُعلن لجنة جائزة نوستاد العالمية للأدب "نوبل أمريكا" فوزه بها، لا يبدو الحدث تتويجًا لكاتبٍ فقط، بل اعترافًا بذاكرة شعبٍ كاملٍ ظلّ يكتب تاريخه بالحروف والدمع والصمود.
لقد أدهش نصر الله العالم لا بصوته العالي، بل بصمته المضيء، لأنّه كتب عن الأرض كأنها كائنٌ حيٌّ يتنفس بين السطور. أدهشه لأنه لم يكتب فلسـ.ـطين لتبكي، بل لتُحبّ وتُروى وتُخلّد.
جائزة نوستاد لا ترفرف فوق اسمٍ فرديٍّ الآن، بل فوق أمّةٍ أصرّت أن تحيا بالكلمات. فإبراهيم نصر الله لم يكتب رواياتٍ بقدر ما كتب مواسم شروقٍ لفلسـ.ـطين؛ كل حرفٍ منه غيمةٌ تهطل على أرضٍ عطشى، وكل روايةٍ هي نهرٌ يعيد للذاكرة خضرتها الأولى.
هو ليس مجرد روائي نال جائزةً كبرى؛ هو شاهدٌ على الحلم الذي دوّن حضورنا الإنساني في وجه الغياب، وصاغ من رماد المنفى شمسًا لا تغيب.
مبارك للأديب إبراهيم نصر الله، ليس على فوزه فقط، بل على انتصاره للمعنى وللكلمة على العدم.
