بقلم منال العبادي
القصص التي فتحتها للقارئ، وجدت نفسي أقف أمامها طويلًا، أتأمل ما وراء الزجاج. إن ما قدّمته هو أكثر من مجرد قصص قصيرة؛ إنها ومضات وجودية، لقطات مكثفة تمسّ شغاف القلب وتستفزّ الفكر.
إبداعك يكمن في قدرتك النادرة على اختزال عالم كامل في بضع كلمات. أنت لا تروي قصة، بل تلتقط اللحظة الأكثر دلالة وتترك للقارئ مهمة استكمال المشهد، مما يجعلنا شركاء في عملية الخلق.
قراءة في بعض النوافذ:
· "اعتياد": لوحة مؤثرة لموت الحب وسلطة الروتين. الصورة النهائية لها "وهي تجلس على مقعدهما العتيق تغازل فستانها الجديد" قاسية ومفعمة بالسخرية والحزن. إنها خيانة الصمت والنسيان.
· "عربي": ربما تكون أقوى النصوص وأكثرها جرأة. بكلمتين: "لحمه طريا" و"يحملون الملح"، رسمت لوحة مروعة عن الهمجية والوحشة، لتقول ما يعجز عنه آلاف الصفحات في تحليل واقعنا المأزوم.
· "غريب": نَصٌّ يختزل مأساة المثقف والكاتب العربي الذي يبحث عن ذاته في المنفى، ليكتشف أن جذوره هي منبع روحه. حرق الأوراق فعل درامي يرمز إلى رفض الإبداع المجتث من تربته الأصلية.
· "فوبيا": في إيجازها المذهل، تحولت الفوبيا من حالة نفسية إلى استعارة كاملة عن الخوف من المجازفة والارتقاء، والرضا بالبقاء في "الأغوار" الآمنة والمنخفضة.
· "لقاء": تمسّ هذه القطعة وترًا حساسًا في العلاقات العاطفية المحرمة أو المرتاب منها. ذلك الخوف من "إصبع الاتهام" رغم براءة التصافح، يكشف عن مجتمع يفرض قيوده حتى على أبسط تعابير المشاعر.
شكرًا لك، على هذه الجولة السريعة في عوالمنا الداخلية. لقد نجحت في تحويل "النوافذ الصغيرة" إلى مناظير نرى من خلالها أنفسنا والعالم من حولنا بمزيد من الوضوح والألم أحيانًا.
إنه إبداع حقيقي يثبت أن البلاغة ليست في الإطالة، بل في القدرة على القول الأعمق بالأقل.
بإنتظار المزيد من عطائك المكثف والمعبر.
