عودة الأشياء التي لم تمت

   



د. ساجدة  العزّام

لم تكن رائحة المطر مجرّد عبقٍ عابر… كانت جرحًا قديمًا يفتح بابه دون استئذان، كأنها رسالة من زمنٍ لم يكتمل. 

لحظةٌ واحدة فقط كانت كافية لتُسقط عن قلبي كل طبقات النسيان التي رتّبتها فوقك بصبرٍ مُرهق، ولأدرك أنّ الذكريات لا تموت… هي فقط تُغمض عينيها قليلًا.


كنتُ أظنّ أنني نسيتك، أو لعلّي رغبت بذلك بشدّة حتى صدّقت الكذبة. 

قالوا: إن القلب يحتاج تسعة أشهر لينسى من أحبّه بعمق، وأنا التي مشت على درب الفقد عامين ونصف… وما زلتُ أتعثر باسمك، وما زال حضورك يسكن المساحات التي لم ينجح أحدٌ في الوصول إليها.


اشتقتُ إليك بطريقة لا تليق بمن حاول أن يتجاوز، اشتقتُ إليك كأنّك شيءٌ من روحي لا يُستبدل.

تعال… لا للعودة فقط، بل لنُعيد اكتشاف كل شيء:

لنبحث عنّا تحت ركام ما تهدّم،

لنسأل الصدق إن كان يستطيع أن يرمّم ما مزّقته الخيبات.

تعال نتصالح… ليس لأننا ضعفاء، بل لأننا نعرف أن العالم يصبح أقلّ قسوة حين نمسك يدًا نحَبّها.


لكنّي هذه المرة لا أريد وعودًا خفيفة.

عدني بعمقٍ يشبه الندم:

أن تتغيّر، لا من أجلي فقط بل من أجل تلك النسخة من نفسك التي خذلتها؛

أن تحافظ عليّ، كما يحافظ العابر على آخر ضوء قبل أن يجنّ الليل؛

أن تنظر إليّ كما لو أنّك تكتشفني للمرة الأولى… وتخاف أن تخسرني.


ولعلّ قلبي — رغم كسوره — يستطيع أن يفتح نافذته للغفران،

لعلّه قادرٌ على أن يسامح، إذا وجد صدقك يهتزّ أمامه لا خوفًا، بل حبًّا.

إنّي لا أبحث عن عودةٍ عابرة، بل عن بدايةٍ لا تشبه ما سبق…

عن طرقٍ لا تتقاطع إلا بنا،

وعن حبٍّ يعود لا ليُعيد الوجع، بل ليُعيد الحياة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology