بقلم الزهرة جاب الله.
- نوع كتاب رواية في الأدب النفسي، الاجتماعي(الدّراما الاجتماعية).
- الكاتب: دليلة قصري.
- عدد الصفحات: 241
- بين الحاضر وذكريات الماضي، ثم العودة إلى الحاضر، بكل اتقان عبر الزمينين تسرد لنا الكاتبة دليلة قصري روايتها "ليتها تمطر" على نهج الجديد في كتابة الرواية المعاصرة، تتخطى بها العادة في تسلسل الزمني للرواية الكلاسيكية التي تعودنا أن نقرأها في الفن الرواية لعصر النهضة.
- بأسلوب مباشر سلسل مرن، وألفاظ سهلة تخدم النوع الاجتماعي للرواية حيث لا تتطلّب أي شرح لها.
يوقفنا العنوان عنده للحظة "ليتها تمطر" وكأنها أمنية تبوح بما بداخل المرئ من جفاف، وألم وحزن ووحدة، وينبئ بأن هناك بذرة تريد أن ترتوي بماء المطر كي تنمو وتكبر وتعيش لتثمر. هي بطلتها نرجس الفتاة الحالمة بشخصية عذبة رقيقة تبدأ من آخر الأحداث تسرد بعد تعافيها من المرض الخبيث الصامت الذي يصيب النساء بكثرة في أرق مكان لديها، ومواصلتها لعملها كمدرسة وحياتها الهادئة مع عائلتها الصغيرة، وحديث نفسها الطويل ومخاوفها من عودة المرض، فتأخذنا الكاتبة بسردها عند وعكة مكان عملها كمدرسة... لتعود بنا إلى سرد ذكريات الماضي من زمن الجامعة، وكيف كانت بدايات تعرفها على زميل لها، وحبها للدراسة والصّحبة الطيبة، وتخرجها ثم اكتشافها للمرض الذي تأخرت في تشخيصه حيث كانت تشك في وجوده بأعراض عرضية دائمة، لتجد نفسها في رحلة علاج طويلة مريرة، مؤلمة وشاقة منهكة للجسد والروح والنفس، متعبة مرهقة حيث التعافي يأتي ويذهب مثل الضيف، فما إن فرحت بتخرجها حتى اصطدمت بمرضها، لكنها استقت الكثير من الأمل والشجاعة والتحدي من بعض النساء اللواتي يعانين نفس المرض ويعالجن معها، وكان من الضروري مرافقتهن نفسيا فسعت البطلة نرجس أن تأخذ بنصح كل من يقدم لها دفعا للحياة مجددا، فتتشعب الكاتبة دليلة قصري بذلك داخل النفس المريضة وتصف الحالة الداخلية للمريض بين الأمل واليأس والخوف والتمني...
لكن الأمور المخيبة للآمال تتصاعد في فسخ خطوبتها من زميلها الذي ناضل لأجل أن يحظى بها، لكن عندما تجرح الروح لن يكون هناك جبّر لها مهما حصل فجرح والدته كان فالصميم كونها أصبحت مريضة وقد أستأصل من جسدها عضو أنثوي أصبحت به غير صالحة بالنسبه لها، فتظهر حجم معاناة المرأة وآلامها وسط أشخاص لا انسانية فيهم. لتكمل بطلتها حياتها وتعود لكتاباتها في الجريدة متأملة ألا يعاود المرض فالرجوع ويفتك بروحها المتألمة...فتبرز في استرسالها في سرد حديث النفس المريضة وكيف تعاني النساء على لسان البطلة من هذا المرض بصمت وألم داخلي لا يمكن لأحد تصوره والخوف والآلام المبرحة وفقد الصحة والشعر الذي هو تاج المرأة، ورغم ذلك تجدها تبتسم وتواصل حياتها ومسؤولياتها في الحياة مع الآخرين...ثم في فصل كامل تكمل السرد على لسان خطيبها بوصف ذكرياته مع البطلة وكيف تخلى عنها في أحلك ظروفها بسبب ضعفه أمام طاعة والدته، بالموازات تعيش البطلة مع عائلتها الصغيرة وفاة الأخت الكبرى وترك لهم ملاك صغيرة أمانة لتقوم البطلة بتربيتها رغم المرض والألم والفقد....ثم تعود بنا إلى الزمن الذي بدأت منه، وهو الحاضر بكل سلاسة ودون أن تفقد حبكة الرواية وتذبذبها، لتسرد لنا معاناة أخرى للبطلة، حيث يعود المرض يغزو جسدها من جديد، وتعود مرة أخرى لرحلة العلاج، وهناك فالمشفى تتعرف على فتاة كادت أن تنهي حياتها بسبب معاناتها في حياتها مع عائلتها في قتل أحلامها ثم حياتها الزوجية المليئة بالعذاب، فتسرد الكاتبة من خلال هذه الفتاة عذابات المرأة في مجتمع يحمل وراثيا عادة وتقاليد مجحفة في حق الأنثى وطمس دورها الجميل في المجتمع كعضو فعال لا ينفصل عن مقومات تطوير المجتمع الانساني...فتضغط بذلك على جرح كل فتاة تعاني بصمت وكبت وألم، شاهرة قلمها ضد كل اضطهاد.
وتختم بفصل لن يتوقعه القارئ حيث تسرد بكل اتقان يخالك لك أنك تعيش تلك اللحظات ينقبض قلبك يتألم وتمتلئ عيونك بالدموع... حدث وفاة البطلة نرجس قبل لحظات كانت تحك مع صديقتها التي جاءتها ملبية دعوتها في القضاء ليلة معها فالمشفى الذي ذاق بها وبرائحة الأدوية التي تتاولها يوميا، وأنت تقرأ ستصدق أنها أصبحت متوفاة تسرد الحدث على لسان صديقتها المقربة بكل ألم وبشدّة وبوصف بليغ، لكن فجأة تجده حلم كان لصديقتها التي تنام جنبها فتتنفس الصعداء كيف لتلك الفتاة الجميلة النقية الطيبة تنهي حياتها وتترك القارئ لفترة متألم لما قرأه عنها... لكن الكاتبة دليلة قصري تترك لنا في الأخير وفي حديث صديقتها النفسي حيث تأمل في عودة صديقتها بطلة الرواية إلى الحياة وإلى عملها وإلى ابنة أختها التي لا تزال بحاجة إليها...
- أجد في رواية "ليتها تمطر" للكاتبة قصري دليلة الكثير من حديث النفس حيث تتوغل داخل أنفس أبطال روايتها وتخرج مكنونها، لم تتوقف البطلة في وصف ما تشعر به وما تفكر به من كل التناقضات والصراعات الداخلية بين التحدي، وبين الفشل بين التخلي وبين المضي قدما، وتلك المشاعر التي تعبث بنا بين أن نكون ايجابيين فنخدم أنفسنا وغيرنا، وبين أن تخضع لفشل وسلبيات التفكير، فنعجز على فعل أي شيء لأنفسنا ولغيرنا...صراع حقيقي بين النفس المتعبة، وبين صعوبة الحياة ومسؤولياتها وبين العائلة، والشخصيات التي تحيط بنا أو تدخل حياتنا تضع بصمة ثم ترحل.
- الجزائر.
