سعيد إبراهيم زعلوك
تِلْكَ الحَكَايَةُ لَمْ تَزَلْ
تَهْوِي كَنَجْمٍ ضَلَّ فِي
لَيْلِ البِدَايَةْ.
تَمْضِي خُطَاهَا فِي المَدَى،
وتَخُطُّ فَوْقَ الرِّيحِ
أَسْرَارًا خَفِيَّةْ،
لَكِنَّهَا
تَبْقَى القَوِيَّةْ.
مَا زِلْتُ أَسْمَعُ نَبْضَهَا
يَعْلُو،
كَنَفْسٍ تَغْتَسِلْ
فِي ضَوْءِ ذِكْرَى
حَمَلَتْهَا الأَيَّامُ،
تُخْفِي فِي أَصَابِعِهَا
بَقَايَا صَدَى وَجْهٍ لَنَا…
ثُمَّ اسْتَقَالَ مِنَ الضِّيَاءِ
وَآوَى لِظِلِّ الغُيُومْ.
تِلْكَ الحَكَايَةُ بُرْعُمٌ
يَخْفِي سُؤالَ البُعْدِ
فِي جَفْنِ المُنَى،
وَيَمُرُّ يَرْفُو
جُرْحَنَا الأَوَّلْ،
ثُمَّ يَهْوِي فِي دُمُوعٍ
تَسْهَرُ اللَّيْلَ
فِي حَلَقَاتِهَا
المَكْسُورَةِ الرَّاخِيَةْ.
هِيَ قِصَّةٌ
تَأْبَى الزَّوَالْ؛
تُلْثِمُ أَعْتابَ الضِّيَاءْ،
تَخْلَعُ نِصْفَ الرِّيحِ
عَنْ جِيدِ الطَّرِيقْ،
وتُتْرِكُ الرُّوحَ الَّذِي
يَخْبُو،
يُفَسِّرُ صَمْتَهَا،
وَيَفِيضُ عِطْرًا
فِي مَدَى الوَحْدَاتِ
إِنْ غَفَلَ السَّنَا.
وَمَتَى أَرَدْتَ،
تَرَى الحَكَايَةَ عَيْنَهَا؛
تَجِدُ بَدَايَاتٍ
تَرَكَتْكَ،
تَبْكِي فَوْقَ مِفْصَلِ
بَابٍ مَفْتُوحٍ،
تَسْأَلُ:
هَلْ يَعُودُ الصَّدَى؟
أَمْ ضَلَّ فِي خُطُوَاتِنَا؟
وتِلْكَ الحَكَايَةُ—فِي النِّهَايَةِ—
لَمْ تَنْتَهِ…
مَا زَالَ يَحْمِلُهَا الغَمَامُ
إِذَا دَنَا،
وتَقُولُ لِلرِّيحِ الَّتِي
لَمْ تَعْرِفِ الدَّرْبَ:
عُودِي…
هُنَا بَقِيَ الصَّدَى
يَسْقِي رُؤَانَا،
وَيَرْوِي حُلْمَنَا الأَوَّلْ.
سَتَرْفَعُ الأَيَّامُ
أَسْرَارًا خَفِيَّةْ
كُنَّا نُخَبِّئُهَا،
وَيَرْفَعُ اللَّيْلُ الَّذِي
أَضْعَنَّاهُ
فِي صَمْتٍ
يَشْرَبُ النَّفَسْ.
وَإِذَا أَقْبَلَ الفَجْرُ،
تَخْرُجُ القِصَّةُ مِنْ
خَاتِمِهَا
تَبْحَثُ عَنَّا…
نَحْنُ الَّذِينَ
تَرَكْنَا أَبْوَابَنَا
مَفْتُوحَةً
لِوَقْعِ القَدَرْ.
تِلْكَ الحَكَايَةُ
تَظَلُّ نَجْمَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا
فِي هُدُوءِ السَّمَاءِ،
وَأُخْرَى
تَدُقُّ عَلَى صَدْرِنَا
كُلَّمَا ظَنَنَّا
أَنَّ الطَّرِيقَ انْطَفَأْ.
وتَبْقَى الحَكَايَةُ—رَغْمَ مَا
أَلْقَتْهُ أَيَّامُنَا—
تَمْتَدُّ فِي نَفَسِ الطُّرُقِ،
كَأَنَّهَا تَحْفَظُنَا
أَكْثَرَ مِمَّا نَحْفَظُهَا.
تَرْفَعُ الوَجْدَ
إِنْ خَفَتَتْ مِصَابِيحُ اللَّيَالِي،
وتَقُولُ لِلرُّوحِ الَّذِي
أَعْيَاهُ طُولُ السَّفَرْ:
لَا تَنْطَفِئْ…
فَفِي كُلِّ نِهَايَةٍ
وِلَادَةُ ضِيَاءٍ
لَمْ يَجِئْ بَعْدُ،
وَفِي كُلِّ حَكَايَةٍ
بَابٌ يَفْتَحُهُ القَدَرْ.
