على طريق العظماء - قصة - " قوة الاستمرارية " عن الكاتب والمخرج الدكتور/ علي الصايغ

 


كتبتها وصاغتها الكاتبة رضوى رضا


في العادة نبدأ صغارا ثم نكبر وهكذا في كل شيء ولكن تبدأ الموهبة بقوة ونحن صغار، تُلهمنا لنفعل أشياء ربما تكون أكبر من هذا العمر الطفولي إلا أنها تعبر عن هذه الموهبة بقوة لذا؛ حينما كان بعمر الست سنوات بعدما  تعلم القراءة والكتابة تجلت موهبته هو الكاتب والمخرج والأكاديمي البحريني الدكتورعلي إبراهيم الصايغ الذي يشاركنا قصته مع شغفه وأهدافه ومن خلال هذه القصة الملهمة ستجد يا قارئي العزيز إجابات تلهمك في طريقك نحو هدفك ...

بدأت موهبة الدكتور علي تظهر حينما أصبح يعبر بها فكتب بأنامله الصغيرة بعمر الست سنوات رسائل صغيرة بسيطة لأفراد عائلته لتعلن موهبته عن نفسها منذ ذلك الحين، ليكمل طفولته محبا للكتابة والقراءة ومستمعا متذوقا لألوان عدة من الأدب  ليجد نفسه بعد مدة متعلق بأحد الشعراء المعروفين في ذاك الوقت وهو الشاعر  البحريني عبد الرحمن رفيع؛ فكان يقلده ويلقي الشعر مثله مؤلفا لبعض النصوص الصغيرة الملائمة لهذا العمر  ليُعجب بها أفراد عائلته مشجعين له  ليستمر، لكنه بعد فترة ومع زيادة ممارسة القراءة والكتابة والاطلاع على الفنون الأدبية المختلفة وجد أن إلقاء الشعر ليس المرسى المناسب لموهبته لذا؛ أكمل في اتجاه آخر ليس بعيدا ولكنه مختلف عن الشعر وهو القصص القصيرة.


بدأ الدكتورعلي بكتابة قصص قصيرة متأثرا  بمؤلفات الكاتب التركي عزيز نسين والكاتب الروسي أنطون تشيخوف وكاتبة قصص الجريمة أجاثا كريستي، ومن هنا تثبت فكرة أن ما نطلع عليه كثيرا يُجسد في أعمالنا وخبراتنا كثيرا، أما كتابات الدكتور علي فقد لاقت استحسانا ممن قرءوها وهذا شجعه على الإكمال حتى وصلت للفنان أحمد الصايغ والفنان عادة ذائقته مختلفة فمن خلال خبرته واطلاعه يمكنه تقييم العمل على نحو أوعى وأدق لذا؛ بعد قراءته للقصص لم يكن منه التشجيع فحسب بل الإلهام أيضا حيث اقترح على الدكتور علي  أن يحول تلك القصص السردية إلى مشاهد فتصبح فيلم أو ربما مسلسل  أي يكتب سيناريو وحوار، ولم تكن هذه إحدى وجهات الدكتورعلي الصايغ وقتها لكنه إلهام من متخصص وبما أن الموهبة تحتمل التجارب وتُشجع على المغامرة لم يتردد الدكتور علي في الارتحال نحو وجه جديدة مانحًا لها الكثير من الجهد للوصول فيها إلى أفضل المراتب، ومن هنا بدأ في دراسة السيناريو وكل ما يتعلق به، فكان يشتري كتبا من كل مكان في العالم يعلم أن فيه معلومة مهمة عن هذا المجال وغالبا من أمريكا حيث إن المكتبة العربية آنذاك لم تكن غنية بمثل هذه المعرفة، ولم يتردد في الكتابة مرات ومرات للوصول للنموذج الأفضل حتى أصبح سيناريست بل ولديه دورات في مجال كتابة السيناريو، وهنا علينا التأكد من أن الموهبة تفرض ذاتُها حيث إنه من لا شيء يعرفه عن كتابة السيناريو وصل بالاستمرارية ليصبح مدرب سيناريو. 

كتب الدكتور علي عدة نصوص منذ أن بدأ في كتابة السيناريو وحاول عرضها على شركات الإنتاج لتصبح أعمال فنية تشاهد على شاشة السينما أو التلفزيون، وكان هذا أحد التحديات التي كانت كفيلة بإيقافه عن إكمال مسيرته لأن الساحة الفنية في ذاك الوقت كانت مُحتكرة من قبل كتّاب سيناريو معروفين وشركات الإنتاج لم يكن لديها روح المغامرة التي تجعلها تغامر مع سيناريست جديد فكان؛ من الصعب عليه إقناع شركات الإنتاج ومجابهة الأسماء الكبيرة في نفس المجال فالخبرة؛ تفرض وجودها على أي حال.

 فما كان التصرف السليم في مثل هذا الحال؟ هل يتوقف وينسى حلمه منتظرا أن تقل سيطرة ذوي الخبرة أو أن تتغير قناعات شركات الإنتاج ؟ أو أن يختار الطريق الصحيح وهو أن يكمل فيما يحب بما يملك من إمكانات حتى تحين الفرصة المناسبة، تلك الفرصة التي ستأتي مؤكدا حينما يصبح المرء جاهزًا لها تماما. 

وقد اختار الدكتور علي الحل الصحيح واشتغل على نفسه أكثر في مجال كتابة السيناريو بل وقام بكتابة عدة اسكتشات مسرحية ونفذها وكتب الوثائقيات والإعلانات لشركات الإنتاج وأكمل فيما يحب ملتزما بمبدأ أن ما تعطيه لا بد وأن يعود عليك يوما، وهذا ما حدث فبعد فترة من العمل الجاد قدم أول عمل تلفزيوني له وهو مسلسل "البيت المائل" الذي عرض -لأول مرة- على قناة روتانا خليجية، وعدد حلقاته 31 حلقة، ومن بعده توالت الأعمال، وقد كسب ثقة جهات الإنتاج ليصبح شريكا في نجاحات كثيرة فيما بعد منها (كاليتسو، جمعنا الهوى، قالوا الأولين، سوالف طفاش "الجزء الأول"، كما هو صاحب فكرة ومشارك في كتابة مسلسل أهل الدار) وغيرها من الأعمال التلفزيونية والسينمائية القصيرة والمسرحيات.


حينما ننجح في شيئ نابع من موهبة أصيلة يحفزنا هذا النجاح إلى الغوص في شيء آخر ذي صلة به فالصلة؛ وثيقة بين كتابة السيناريو والإخراج فمن يكتب سيناريو يكون لديه تلك النظرة الإخراجية والتي يختلف عمقها من كاتب لأخر، ومع الدكتور علي كانت عميقة لدرجة كبيرة جعلته يفكر في الاتجاه نحو الإخراج ليصبح مخرجا. وقد اكتشف هذا الشغف من خلال متابعته المستمرة للأعمال الفنية التلفزيونية والسينمائية عربية وعالمية مشاهدا للأفلام، المسرحيات والمسلسلات للكثيرين من قمم الفن في الوطن العربي مثل عادل إمام، عبدالحسين عبدالرضا، حياة الفهد وسعاد عبدالله وغيرهم، بالإضافة إلى متابعته للأعمال الأجنبية وقد كان ممثله المفضل آنذاك هو (سيلفستر ستالون)، ولم يكن متابعا لمرة او اثنتين بل عشرات المرات لدرجة حفظ معها المشاهد والحركات والحوارات، ثم وجد نفسه يتتبع الأخطاء، ويرغب في تصحيحها، ليتأكد من ان لديه حس ناقد للأعمال الفنية، فنما لديه هذا الحس النقدي لدرجة قرر معها تنفيذ أعمال فنية فقط ليتلافى فيها الأخطاء التي كان يشاهدها في الأعمال التي يتابعها وينفذها برؤيته الخاصة لذا؛ درس الإخراج ليصنع عدة أفلام قصيرة جامعا بهذا التأليف والإخراج في عقل واحد استطاع أن يساعده لينجز مجموعة من الأفلام القصيرة مثل (ذاكرة، عطاء، التابو، الجرس) وقد حصدت بعضا منها جوائز.


وفي الطريق ومع التجارب تظهر المواهب أكثر وتصقل أكثر لذا؛ كانت مشاركته في بريد قراء إحدى المجلات فكان يرسل لهم من كتاباته وينشرونها في قسم بريد القراء ومن هنا استدعته فكرة العمل الصحفي، وأيقظت فيه حلما قديما وهو "الصحافة الميدانية" فكان أحد أحلام ضيفنا أن يكون صحفي ميداني يجمع الأخبار ويشاهد الأحداث مباشرة، ولكن أخذه الشغف إلى حيث عليه أن يكون، وبما أن الصحافة بكافة أنواعها هي إحدى سبل التعبير بالكتابة بدأ العمل الصحفي اليومي في أحد أقسام المحليات البحرينية، والتجربة خير برهان لاتخاذ قرار الاستمرارية أو التوقف فاستمر الدكتور علي  حتى أصبح له مقال أسبوعي ثابت في إحدى الصحف البحرينية. وفي مقالاته يعبر عن المواضيع والقضايا موضع الاهتمام العام خاصة الاجتماعية منها، كما يكتب عن اهتماماته ورأيه بشكل عام وبشكل خاص  في المجال الفني والذي هو شغفه فيكتب؛ عن الأعمال الفنية التي شاهدها مُبديا رأيه فيها بحرفية.


واليوم بعد رحلة حافلة لضيفنا العزيز من الإنجازات والأهداف جامعا بين ما حققه منها وما يطمح في تحقيقه في المستقبل يرى الدكتور علي الصايغ أن في بداية كل طريق يجب أن يثبت الإنسان وجوده وجودة ما يقدمه وهذا يتطلب الاستمرارية والقوة لتحمل أعباء البدايات، ثم بعد ذلك تأتي الخطوات المهمة في العمل الأصعب وهو الحفاظ على النجاح وتقديم كل ما هو جديد وذلك يحدث بالاطلاع المستمر وتطوير الإنسان لنفسه ليصل لأهدافه بتفوق، ومن هنا يخبرنا دكتور علي أن لديه الكثير من النصائح والمعلومات والتجارب سيقدمها قريبا من خلال كتاب شارف على الانتهاء من كتابته، وهو ما يمكن أن يكون خارطة طريق  واضحة لمن يود الدخول في عالم كتابة السيناريو. 

أشكر ضيفي العزيز على مشاركته قصته والتحديات التي تعرض لها وأرجو له النجاح والتوفيق الدائم.

 ونقول القصة مستمرة ودائمة؛ فالوصول للأهداف أمر يمكن للجميع تحقيقه، فقط عليهم بقوة الاستمرارية ليسطروا بخطواتهم قصصًا جديدة ملهمة تستحق أن تكون منارة لكل من هو في بداية الطريق نحو النجاح.



Post a Comment

أحدث أقدم