كَما لَم تَرَها مِن قَبْل



 الكاتبة أروى أبوعقل

                     

تُتقِنُ الحربُ أَشكالَ الفنِّ 

عشوائيةُ التركيبِ في هيئةِ الأبنيةِ المتهدّمةِ تُطلِق منهجًا هندسيًّا مستقلًا، تزيد في إبهاره مشحاتُ لونٍ أحمر تخلَّلَ اللونَ الرماديَّ العالقَ على أكتافِ المسَمَّياتِ هناك ،فكأنّهُ التِصاقُ العِرقِ بالأرض..

تُبهركَ الحربُ أكثر حين تُقرِّرُ اعتمادَ الدرجاتِ الترابيّة في مساحيق التجميل؛ فتنثُرُها يَدُ الخَرابِ في الوجوهِ بل وخصلاتِ الشَّعرِ واللحى..

  َتزهو ساحةُ الحربِ أكثر حين تصبحُ دارَ أوبرا، يتصدَّرُ الأوركسترا صوتُ أُمٍّ وأبٍ مفجوعَيْنِ، لا تحتاجُ حنجرتُهما تمرينًا لإتقانِ العَويل، فاللحنُ في أوتارِهما يَخرجُ مُدوِّيًا، تهتزُّ مِن عمقِهِ الأركانُ. يتخلَّلُ اللحنَ أداءُ كورال بنغماتٍ متقطِّعةٍ مِن بكاءٍ جماعيٍّ لأطفالٍ نُحِتَت أجسادُهم بشكلِ يضمنُ رؤيةَ هياكلها مِن خلفِ جِلدٍ مُقَدَّد..

تجوبُ المكانَ عدسةُ مصوِّرٍ باستدارةٍ واحدة، فتلمحُ في عيونِ المحسوبينَ على الحياةِ نظرةً أفزعها اللاوعيُ حين مَرَّ فاصلٌ إعداميٌّ ذكَّرَ بقصةِ ليلى والذئب، فظنَّ الرائي لوهلةٍ أن الذي أكلَ الجَدّةَ في زمنٍ ما، لم يكن سِوى كلب شرس مُدرَّب، لازالت فصيلتُهُ تتكاثر فوقع في جُرمِهِ المشهود في يومنا هذا..


    ثم يأتي من بعدِ ذلك كُلِّه إنتاجٌ سينمائيٌّ ضخمٌ، مُوِّلَ بِبَلايين الدولارات، ويُقام لَه مهرجانٌ عالميٌّ يضمُّ كِبارَ الفنانين..

يُكرَّمُ طاقمُ العملِ الذي نجح في محاكاةِ اللوحةِ التاريخية ، والممثلون الذين برعوا في تقمصِ الأدوارِ حتى تأثّرنا فبَكَيْنا على نسخةٍ مُقلَّدةٍ ، أكثر مما أبكتْنا النسخةُ الأصليّة.


               27/6/2024

Post a Comment

أحدث أقدم