"العرق المقدّس"- عيد العمال



بقلم د. مجدولين منصور 


في صباح الأول من أيار، تصحو المدن على وقع خطواتٍ منهكة، ووجوهٍ لفحتها الشمس والوقت، وقلوبٍ لا تزال تؤمن بأن العمل شرف، وإن لم يحفظه كثيرون. إنه عيد العمال... العيد الذي يحتفل به العالم في حين يُطفئ العامل شمعته بصمتٍ في أروقة المعامل، وتحت وهج الإسفلت، وفوق سلالم الحياة الصعبة.


العامل... ذاك البطل المنسيّ، الذي ينهض قبل أن تستيقظ الشمس، ويعود بعد أن تنام الأرواح. لا يعرف الرفاه، ولا يذوق طعم الراحة، لكنه يُتقن ما يعمل، بيدٍ تصنع، وعينٍ تراقب، وقلبٍ يتوكّل. هو من يُشيّد الأبراج ولا يسكنها، ويغزل القمصان ولا يرتديها، ويحمل الجبال على كتفيه ثم يُسأل عن الإنتاجية!


يعمل العامل في ظروفٍ لا تليق بكرامة الإنسان أحيانًا، بين ضغوط المعيشة وتجاهل أصحاب القرار، بين شُح الرواتب وكثرة المطالب. تسكن في قلبه الأحلام ولا يجد لها بيتًا، يحني ظهره للحديد ولا يجد من يحنو عليه. كم من عاملٍ أفنى عمره تحت وطأة ماكينةٍ لا ترحم، وكم من موظفٍ طُحن تحت صقيع الأوامر الجافة ونظرات التعالي!


عنجهية بعض أصحاب العمل تُشبه سياطًا غير مرئية، تلهب الظهر وتُطفئ الحماسة، لكنها لا تُميت الضمير. نعم، ما زال هناك من يقول: "إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه"، ما زال من يسقي عمله بالنية الصادقة، ويرجو رضا الله قبل رضا الناس. ما زال هناك من يؤمن بأن: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه"، وإن لم تُنصفه العقود، فإن السماء لا تنسى.


في عيد العمال، لا نريد خطابات مُنمقة ولا وعودًا تتبخر، بل نريد عدلًا يُنصف المُجتهد، وضميرًا يُحرر الأجير من جوره، ومجتمعًا يُعيد للعامل حقه قبل أن يطالب بواجبه.


أيها العامل، إنك تبني الوطن بصبرك، وتشيد الحياة بإخلاصك. أنت اليد التي تُمسك الأرض كي لا تميل، وأنت الكتف الذي يسند عجلة الزمن. عيدك ليس يومًا في الروزنامة... عيدك كل لحظة تقف فيها شامخًا، رغم التعب، لأنك تعرف أن الله يرى.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology