ابتسامة على وجه الحياة... وندبة في القلب



بقلم الكاتبة الصحفية/سهام فودة



أحيانًا، نمر بجوار أحدهم ونلمح على وجهه ابتسامة مشرقة... فنظن أن الحياة تُهديه الفرح كل يوم. نسمع ضحكاته فنعتقد أن قلبه خالٍ من الشوائب. نراه واقفًا بثبات، فنحسده على قوته وصلابته. لكن لو اقتربنا قليلًا، لو أنصتنا حقًا بدلًا من أن نحكم، لاكتشفنا أن وراء كل ابتسامة حكاية، ووراء كل ثبات رجفة قلب خفية، ووراء كل ضحكة صدى بكاء قديم.




نحن نعيش في زمنٍ أصبح فيه البوح رفاهية، والشكوى ضعفًا، والدموع تُخفى خلف ضوء الهاتف وفلتر الصور. لم نعد نُظهر ما نشعر، بل ما يُطلب منا أن نشعر. نرتدي وجوهًا مصقولة، ونمضي بها في الطرقات كأننا في مسرح كبير، نخشى أن ننسى الدور أو نخطئ الإشارة.



كل إنسان نقابله يحمل في داخله فصلًا لم يُكتب بعد، ومشهدًا لم يُعرض، وندبة لم يلمسها ضوء. قد ترى من يملأ المكان بالحضور، بالكلمات، بالضحك، بالنجاح... لكنه حين يعود إلى وحدته، يعود إلى صمته، حيث لا تصفيق ولا جمهور، فقط هو وهمّه وجدار يتكئ عليه كل ليلة.



وهل سألنا أنفسنا يومًا: كم من الذين نحبهم يتألمون بصمت؟ كم من الذين نثني على ضحكتهم نجهل أن قلوبهم مثقلة؟ كم من الذين نظنهم محظوظين يتمنون يومًا واحدًا دون قلق أو حزن؟





أحيانًا تكون أقوى أنواع الشجاعة هي الاستمرار... أن تستيقظ كل صباح رغم أن كل شيء في داخلك يريد أن يبقى نائمًا، أن تبتسم بينما روحك تتمنى أن تبكي، أن تُكمل الطريق لأنك تؤمن، رغم كل شيء، أن الغد قد يحمل نورًا ما.



 لذلك، لا تمر على أحد مرور العابر... لا تكن السهم الأخير في صدرٍ امتلأ بالجراح. فالكلمة الطيبة قد تنقذ روحًا، والرحمة قد تعيد الحياة لقلبٍ أُطفئت شعلته. دعنا نكون أكثر إنسانية... أقل فضولًا، أقل قسوة، أكثر تفهمًا.




وأخيرا...تحية من القلب، لكل من يبتسم بينما الألم ينهشه من الداخل، لكل من يحمل الحكايات ولا يجد من يسمعها، لكل من يخوض معاركه في صمت. أنتم الأبطال الحقيقيون في هذا العالم الصاخب.



ولعل في هذا المقال، ابتسامة أخرى... لكنها ليست ككل ابتسامة، إنها تلك التي تحاول أن تُخبركم: "أنا هنا، أفهم، وأُقدّر... حتى وإن لم تتكلموا."

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology