العزلةُ التي تُنبِتُنا من جديدٍ



بقلم : الدكتور الشاعر زيد العياصرة


☜ في لَحظةٍ ما، يَتوقُ الإنسانُ أن يَبتعدَ ... لا عنِ الناسِ فقط، 

بل عن صَوتِه، عن صُورتِه في المِرآةِ، عن صَخَبِه الداخليِّ ،  

عن كُلِّ فكرةٍ لم تَنضجْ ، وكُلِّ شُعورٍ لم يُفهَمْ ... 


العُزلةُ لَيسَت هروبًا دائمًا، بل أحْيانًا هي طريقُ العَودةِ ... 

في العُزلةِ تَسمعُ أشياءَ لم تَكُنْ تَسمعُها :  

صَوتَ نَبَضاتِك حينَ تَتباطأُ ،  

وصَوتَ القَلَقِ وهوَ يَتآكَلُ بصَمتٍ ،  

وصَوتَ الأمَلِ وهوَ يُرمِّمُ حُطامَ القَلبِ ببُطءٍ ... 


في العُزلةِ تَتساقطُ الأقنِعَةُ، ويَظهَرُ وَجهُكَ الحقيقيُّ ،  

ذَاكَ الذي لَم تَلبَسْهُ لأجلِ الناسِ،  

ولا لأجلِ الحُبِّ، ولا حتى لأجلِ اللهِ،  

بل وَجهَكَ الذي يكونُ حينَ تَبكي وَحدَكَ ،  

وتَحلُمُ وَحدَكَ ، وتَصمُتُ بينما العالَمُ يَصرُخُ ... 


الناسُ يَبحَثونَ عنِ الضوءِ في الخارِجِ ،  

وأنا أَظُنُّ أنَّ بَعضَنا خُلِقَ لِيُشعِلَ شَمْعَتَهُ منَ الداخِلِ :  

من رَمادِهِ، من غُربَتِهِ، من وَحدَتِهِ،  

من ضَلالِهِ الذي لَم يَرَها أحَدٌ ... 


لَيسَتِ العُزلةُ سِجنًا كما يَظُنُّ البَعضُ،  

بل هي حِصنٌ عَميقٌ،  

تَضَعُ فيهِ نَفسَكَ كما يَضَعُ الطِّفلُ رَأسَهُ على صَدرِ أُمِّهِ ...  


تَخرُجُ مِنها أَكثَرَ وَعيًا، أَكثَرَ صَفاءً،  

ورُبَّما أَكثَرَ وَجَعًا،  

لكِنَّكَ في جَميعِ الأحوالِ تَخرُجُ مِنها **أَنْتَ** كما تُريدُ ،  

لا كما يُريدُكَ العالَمُ ...

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology