سَعِيدُ إِبْرَاهِيمَ زَعْلُوك
يا أَنا البعيدَ، إِذا ما عُدتَ في الزَّمَنِ الغريبْ،
هَل كنتَ تَدري أَنَّني
قد كنتُ أُخفي كُلَّ وجعي تَحتَ ثَوبِ المُستجيبْ؟
أَضحكُ كَيْ لا أَبكي،
وأَصمتُ كَيْ لا تَنكسِرَ في الصَّوتِ أَبوابُ الحَبيبْ.
هل كنتَ تدري
أَنَّ قلبي حينَ يَهمسُ للصَّباحِ
يُخاطبُ اللهَ: لا تُطِلِ الغُروبْ؟
وأَنَّني أَخشى السَّلامَ، إِذا أَتى
مِن غَيرِ وجهٍ كنتُ أَعرِفُهُ... فغابَ ولم يُجِبْ.
كَبِرتُ كثيرًا... وما زِلتُ أَرجو
ضَمَّةً تُنقِذُ العُمرَ مِن غَفلةِ الرَّحيلْ،
أَحمِلُ روحي كَبَيتٍ قديمٍ
تُفَتِّشُ فيهِ الذِّكرياتُ عن ظلٍّ عليلْ.
كم مَرَّةً مِتُّ، ولم أُعلِنِ الفَقدَ،
لأَنِّي وَعَدتُ الحياةَ أَن أَظَلَّ النَّبيلْ،
وكَم مرَّةً هَمَستُ لنَفسي:
"اصمُدْ، فإنَّكَ إِنِ انهَرتَ، لن يَحتَمِلَك البَديلْ".
تمنَّيتُ أَلَّا أَكونَ النَّبيَّ الوَحيد،
الَّذي لا يُصَدِّقُهُ النُّورُ، ولا يَحتَفِي بِهِ السَّبيلْ،
تمنَّيتُ أَنَّ السَّلامَ
يُخاطِبُ قلبي كَما يَفعلُ الرَّاحلونَ، إِذا خافوا على الغَدِ المُستحيلْ.
يا أَنا،
يا صَدى الصَّوتِ إِن نادى ولم يَلقَ صدى،
يا نُدبةً خَبَّأتُها بينَ كَتِفيَّ، وقلتُ لَها: عُودي غدًا،
أَتَعرفُ كَم مرَّةً خِفتُ مِن قَلبي؟
كَم مرَّةً بكَيتُ، ولم أَملِكْ سِوى أَن أُرَبِّتَ على يَدي؟
كأنَّني أَعتذرُ لي...
كأنَّني لا أَملِكُ مِنِّي أَحَدًا.
فَيا ذاتي الآتِيَةَ مِن بَيْني،
تَرَوَّي، فَقَد يُثمِرُ الصَّبرُ حينَ يُخيبْ،
وسَلِّمي هٰذا الجَسَدَ المُتعبَ لِلحُبِّ،
قد يَجيءُ الحَبيبُ، وقد لا يَجيءْ،
لكنَّكِ... لا تَضيعِي في الطَّريقْ.
سَلامٌ علَيَّ، إِذا عُدتُ يَومًا،
وأَدركتُ أَنِّي نَجَوتُ مِنِّي،
وأَنِّي — وإِن لم أَصِلْ — قد نَضِجتُ بِما يَكفي
لأُكمِلَ وَحدي،
بِلا شَفقةٍ،
بِلا وَجَلٍ،
بِلا قَيْدٍ عَنيدْ.