من الصف إلى الشاشة: كيف غيّرت التكنولوجيا ملامح "التوجيهي" في الأردن؟

 


بقلم: د. مجدولين منصور


في العقود الماضية، ارتبط مشهد طلبة الثانوية العامة في الأردن – أو ما يُعرف بالتوجيهي – بالكتب المكدّسة، والدروس الخصوصية داخل البيوت، وجلسات الدراسة الجماعية في المكتبات. أما اليوم، فقد أصبح المشهد مختلفًا تمامًا: طالب يجلس أمام شاشة، يتنقّل بين المنصات التعليمية، ويحلّ الأسئلة الوزارية عبر تطبيقات رقمية، ويستمع إلى شرح المواد من معلمين لا يعرفهم إلا من خلف الشاشة.


هذا التحول الرقمي، الذي تسارعت وتيرته بفعل جائحة كورونا، لم يكن مجرد انتقال مؤقت في أسلوب التعلم، بل أصبح واقعًا يفرض نفسه على كل بيت فيه طالب توجيهي.


التعليم الرقمي: واقع لا يمكن تجاهله


لا شك أن التكنولوجيا قدمت فرصًا ثمينة لطلبة التوجيهي. فقد أتاحت لهم الوصول إلى مصادر تعليمية متنوعة، من فيديوهات الشرح إلى البثوث الحية والنماذج الامتحانية التفاعلية. ومع تنامي التطبيقات التعليمية والمنصات المحلية والعالمية، أصبح الطالب قادرًا على تخصيص تجربته التعليمية بما يتناسب مع مستواه واحتياجاته.


لكن، في المقابل، خلقت هذه الوفرة الرقمية تحديات من نوع جديد، لعلّ أبرزها ضعف التركيز، والانجراف نحو استهلاك المحتوى دون وعي، وظهور أنماط جديدة من "التعلم السريع" الذي يعتمد على الحفظ المجتزأ دون فهم عميق.


التحديات الخفية


ورغم كل ما توفره التكنولوجيا من أدوات، فإنها لا تزال عاجزة عن تعويض البعد الإنساني في العملية التعليمية. فالتفاعل الوجاهي بين المعلم والطالب، وما يحمله من توجيه وتحفيز ومتابعة، لا يمكن محاكاته رقميًا بشكل كامل. كما أن الاستخدام غير المنظَّم للأدوات الرقمية قد يؤدي إلى إرباك الطالب بدلًا من دعمه، خصوصًا في مرحلة حرجة كمثل مرحلة التوجيهي.


ناهيك عن الفجوة الرقمية التي ما زالت قائمة بين فئات الطلبة في المملكة، حيث لا تتوفر تقنيات التعليم عن بُعد بنفس الكفاءة لدى الجميع، مما يضعف من فرص العدالة التعليمية.


ما الحل؟ تربية رقمية واعية


إن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست المشكلة، بل طريقة استخدامها. وهنا تأتي أهمية التربية الرقمية، ليس فقط للطلبة، بل أيضًا للأهالي والمعلمين. فالأسرة بحاجة إلى إعادة تعريف دورها، من متابع للواجبات إلى شريك رقمي، يوجه الطالب نحو الاستخدام الرشيد للتكنولوجيا.


أما المدرسة، فعليها أن تعيد النظر في استراتيجياتها، بحيث تدمج الأدوات الرقمية ضمن رؤية تربوية شاملة لا تعتمد فقط على إيصال المحتوى، بل على تطوير التفكير النقدي، والتحفيز الذاتي، ومهارات التعلّم مدى الحياة.


في الختام


لقد غيّرت التكنولوجيا شكل التوجيهي في الأردن، لكنها لم تُلغِ جوهره: السعي نحو التفوق والاستعداد للمستقبل. وبين الصف والشاشة، وبين التابليت والكتاب، تقع مسؤولية الجميع في توجيه طلابنا نحو تعلم فعّال، متزن، وملائم لعصرهم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology