مجموعة جرعتان والبقية تفاصيل مابين نقد الواقع والسيمائية.

 


 بقلم الكاتبة منال العبادي 

جرعة.. مابين نقد الواقع و السيمائية 

 في المجموعة القصصية "جرعتان والبقية تفاصيل" لمحمد علي فالح الصمادي، يظهر النقد الاجتماعي من خلال عدة محاور رئيسية تعكس تعقيدات الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الأردن والعالم العربي.

قدم الكاتب النقد السياسي والبيروقراطية

  من خلال  قصة "المدير" التي تنتقد الفساد الإداري والانتهازية في المؤسسات الحكومية، حيث يُظهر الشخصيات التي تستغل مناصبها لمصالح شخصية، مثل المدير الذي يسافر تحت ذرائع واهية بينما يعاني الموظفون من سوء الأوضاع.

  وفي قصة "صورة طبق الأصل": تبرز تكرار العناوين الصحفية نفسها منذ عقود، مما يشير إلى ركود السياسات وعدم التغيير الحقيقي رغم ادعاءات الإصلاح.


كما توجه الكاتب من خلال نصوصه إلى النقد الاقتصادي

   من خلال توظيه في قصة  "ضغط عال": تعكس معاناة المواطن من ارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، مع تهرب المسؤولين من تحمل المسؤولية.

  أما في قصة "حفل توقيع" كانت تنتقد استغلال النخبة الثقافية للفعاليات الأدبية كوسيلة للتباهي الاجتماعي بدلاً من الاهتمام الحقيقي بالإبداع أو قضايا المجتمع.


ونلمس النقد الاجتماعي والعلاقات الإنسانية

  في قصة "نزوة عطر": حيث تكشف التناقض بين المظاهر الخارجية والحقيقة الداخلية للشخصيات، خاصة في العلاقات العابرة التي تفتقر للعمق.

  ولو توقفنا عند  قصة "حكايا عبد ربه" فهي  تنتقد ازدواجية الرجال في التعامل مع الزواج والحب، حيث يتخلون عن شركاء حياتهم لعلاقات جديدة دون مبرر أخلاقي.


كما لم تخلو هذه المجموعة من النقد الثقافي

   ففي  "بين موت وموت": تنتقد حالة التخلف الثقافي وعدم قدرة المثقفين على مواكبة التغييرات، مع التركيز على الصراع بين التقليد والحداثة.

  وقصة "دقات": تتعامل مع فكرة الضياع الإنساني في زمن العولمة، حيث يفقد الأفراد هويتهم وسط ضغوط الحياة الحديثة.

كما تطرقت المجموعة للنقد الديني والاجتماعي

   القصة "على سرير الشفاء": تنتقد النفاق الاجتماعي والتدين الشكلي، حيث يُظهر الشخصية الرئيسية ("عبد ربه") التي تتصرف بشكل منافق رغم ادعائها التقوى.


كما كان لقضايا المرأة نصيب من ذلك 

   ففي  "حفل توقيع": تنتقد اضطهاد المرأة وتقييد حريتها تحت ذرائع اجتماعية ودينية، بينما يتمتع الرجال بحرية أكبر.

  وفي "موعد": تبرز معاناة المرأة مع التقاليد التي تحدد خياراتها الشخصية، مثل الزواج والعمل.


المميز في المجموعة توجهها للنقد الاعلامي ايضا :

  "صورة طبق الأصل والتي انتقدت الإعلام الرسمي الذي يكرر نفس الخطاب دون تجديد، مما يعكس غياب حرية التعبير الحقيقية.


وكان للسخرية والتهكم نصيب حيث  استخدم الكاتب السخرية اللاذعة لفضح التناقضات، كما في وصف المدير الذي يسافر بينما يعاني الموظفون.

وجعل الرمزية مثل استخدام "جزيرة الأحلام" في "على سرير الشفاء" كرمز للهروب من الواقع.

وجعل الواقعية تصويرا للتفاصيل اليومية بدقة لتعكس معاناة الناس العاديين، كما في "ضغط عال".


نلاحظ بأن المجموعة تقدم نقداً شاملاً للمجتمع الأردني والعربي من خلال تعريته للفساد والبيروقراطية والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي، مع التركيز على تأثير هذه العوامل على الفرد العادي. الكاتب يستخدم أسلوباً سردياً متنوعاً بين الواقعية والسخرية والرمزية لتقديم رؤية نقدية عميقة.


سنتوقف عند قصة "جرعتان والبقية تفاصيل" والتي حملت عنوان المجموعة. 


أثارت قضية الشك في المؤسسات حيث يظهر البطل عدم ثقته بالأطباء ووسائل الإعلام، معتبرًا أن كليهما قد يكون مسؤولًا عن أخطاء أو تضليل.


وملأها بالتفاصيل اليومية للحياة حيث أن   النص ركز على التفاصيل الصغيرة لحياة البطل، مثل زيارته لصالون الحلاقة، تفاعله مع الجيران، وهمومه المالية.


كما أبرز فيها العلاقات الإنسانية والعلاقات المعقدة مع الجيران والزوجة، حيث تظهر مشاعر متناقضة بين المساعدة والاستغلال.


كما بين بأن الهواجس الصحية وموضوع المرض واللقاحات (مثل "فايزر") جزءًا من تفكير البطل، مما يعكس القلق العام السائد في الفترة التي كُتب فيها النص.


ولم يغفل الكاتب عن الهموم المالية  وبين التفاعلات حول النقود والديون والرواتب عن ضغوط مالية يعاني منها البطل.


استخدم الكاتب أسلوبًا سرديًا يدمج الأفكار الداخلية للبطل مع الأحداث الخارجية.

وكانت اللغة الشعرية ظاهرة في بعض المقاطع كلمسات شعرية في الوصف، مثل "رشّة العطر على مؤخرة رأسه المكتظ بالأحداث".

وعمل الكاتب على المزج بين الجد والهزج

و دمج  بين المواقف الجادة والملاحظات الساخرة، خاصة في التعامل مع المؤسسات والعلاقات الشخصية.



ولو توجهنا إلى  تحليل العلامات السيميائية في النص لوجدنا 

 العلامات المكانية: صالون الحلاقة كفضاء دال

حيث يُعد صالون الحلاقة في القصة فضاءً سيميائياً مركزياً، حيث يتحول من مكان وظيفي (قص الشعر) إلى مسرح للتفاعلات الاجتماعية وتبادل الخطابات. 

والحوار بين البطل والحلاق حول الأدب يُظهر أن الصالون ليس مجرد مكان للعناية بالمظهر، بل فضاءً ثقافياً هامشياً يُناقش فيه ما لا يُناقش في الفضاءات الرسمية (مثل المؤسسات الطبية أو الإعلامية).  


كما كان المقص والمرآة عبارة عن علامتين سيميائيتين؛ فالمقص يرمز للقطع (ربما قطع العلاقات أو القطيعة مع الأوهام)، بينما المرآة تعكس الهوية الهشة للبطل وتضخيم هواجسه.  

ووظف الكاتب العلامات الجسدية وجعل الجسد حقلاََ دلالياََ

فكان الجسد في القصة حامل لأزمات البطل*، سواء عبر الحديث عن اللقاح ("فايزر") أو الأعراض الصحية. 

 وكان الجسد هنا  ليس كياناً عضوياً فحسب، بل علامة على القلق الوجودي في مواجهة المؤسسات (الطبيب، الإعلام).  


كما كانت رمزية "مؤخرة رأسه المكتظ بالأحداث" بتحويل الجسد إلى مستودع للذاكرة والاضطراب ، حيث يصبح الرأس مكاناً لتكدس الأزمات بدلاً من حلها.  


وكانت العلامات اللغوية وتوظيف التكثيف السردي بين الجد والسخرية. 

مستخدما اللغة في النص حيث تتنقل بين السرد الواقعي(الهم المالي، العلاقات الاجتماعية) والسخرية السوداء (مثل الشك في 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology