هرطقة



| بقلم مجيدة محمدي 


هرطقةٌ،

تلك التي تسللت من بين ضلوعي ذات مساء،

حين كنت أُقلّبُ في الكتب القديمة

وأبحث عن اسمي في هوامش الأنبياء.


هرطقةٌ،

حين قلتُ ،

السماء ليست دائمًا زرقاء،

وأنَّ اللغة العربية تنصلت من جناحيها ، الضاد والظاء .


كنتُ طفلة حين ارتكبت أولى خطايا الوعي،

حين سألت أبي ،

لماذا لا يصلي الصخر؟

ولماذا يموت الضوء في نهاية كل مغيب؟


ضحك، وقال ،

تلك مجرد هرطقة.

فصمتُّ،

لكنني كتبتُ السؤال في نخاعي الشوكي،

وتركتُه ينمو مثل وردةٍ مبللةٍ في زمن الجفاف.


كبرتُ،

وصار في داخلي مسرح من أصوات متعارضة،

كل فكرةٍ لها لسانان،

وكل إيمانٍ له ظلٌ مرتجف،

وكل "يقين" له أبوابٌ خلفية،

تنفذ منها رياح الشك.


قلتُ لليل:

لستَ ظلامًا… أنت مرآة الضوء الخائف.

فصفق لي الليل،

وصار صديقي.


قالوا: تلك هرطقة.

قلتُ ،

بل فُسحة بين التفسير والسكوت،

بين السجود والوقوف منتصبًا في وجه الحكاية.


تلك التي سميتموها هرطقة،

هي التي علمتني أن أسمع الموسيقى في بكاء النافذة،

وأن أقرأ الحروف في طيران النمل،

وأن أرى وجهي الحقيقي في عيون الغيم.


تلك التي نفيتموها خارج مدينة المعنى،

هي التي أنقذتني من الغرق في بحيرة التكرار،

وجعلت من لساني شجرةً تنبت فصولًا جديدة

و لا تخضع لمواقيت الفقهاء.


في كل ليلة،

أفتح كتابًا لم يُكتب بعد،

أقرأ بصوت مبحوح ،

"وكان الإنسان فكرةً مشتبهًا بها"،

فترتعش النجوم،

وتنطفئ شموع المنطق.


أكتب على جدران الوقت ،

أن الهاربين من القطيع

ليسوا ذئابًا،

بل أحيانًا… قديسين تعبوا من الرتابة.


هرطقة؟

نعم.

لكنها ليست خيانةً للحق،

بل حُبٌّ للبحث عنه،

ولو تحت حطام المسلمات.


أنا ابنةُ الريح،

وصديقة النار،

وتلميذة الظلال،

أتهجى الخلق من جديد،

وأعيد ترتيب الأبجدية كي تنطقني كما أشاء.

وإن أحرقوني بنيران الفتوى،

سأقوم رمادًا ناطقًا،

وأُلقّن الرمادَ كيف يصير نجمًا.


فلتلعنني المجامع،

ولتُقصني الكتب،

ولتغلق في وجهي المعابد،

لكنني،

سأظلّ أكتب،

وأكتب،

وأكتب…

أن تلك التي سموها هرطقة،

هي ببساطة ، حقيقةٌ خجولة… تنتظر أن يُؤمن بها أحد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology