بين بهاء الأنثى وغياب الرجُل: انهيار التوازن المقدّس

 


 د. آمال بوحرب / ناقدة وباحثة

في قلب هذا العالم المتصدّع، لم يعد الحبّ مجرّد حكاية عاطفية، ولا أزمة عابرة في تقلبات القلب، بل بات مرآةً فاضحة لانهيار أعمق في البنية النفسية والروحية للإنسان، في المرأة كما في الرجل.

لقد اختلّ الميزان، وسقط النور من بين قطبي الحياة: الأنوثة والذكورة، فانطفأت في الأرواح مسارات اللقاء الحقيقي، وتحول الحضور العاطفي إلى مجرّد تكرارٍ بلا جوهر.


لم تعد المسألة اليوم مسعىً للارتباط أو تشكيل علاقة كما تعارفنا عليه، بل أضحت بحثًا حقيقيًّا عن توازن وجوديّ مفقود. وفي هذا الانهيار الصامت، تلمع بعض النساء ككواكب لا تنتمي إلى مدار العادي، نساء بلغن ذروة الوعي، وتصالحن مع طاقتهنّ الأنثوية العالية، لا ليُغرين، بل ليكنّ ببساطة وامتلاء.


هي المرأة التي لا تسعى إلى نصفٍ يُكملها، لأنها قد امتلأت من الداخل، وتجاوزت ثقافة النقص والاتّكاء على الآخر. لا تُغريها الأدوار الصغيرة، ولا تفتنها العلاقات العابرة، ولا ترضى برجلٍ يختبئ من نورها، أو يُثقل شعاعها بظلاله الهشّة. فحين تصير المرأة واعية، فإنها لا تعود تقبل إلّا برجلٍ يقف أمامها كمرآة ندّية، لا كظلّ يحاول احتواءها بتقزيم.


ولكن في هذا الزمن، تشوّهت الذكورة، وتبدّدت الرجولة.

تراجع مفهوم الرجولة إلى مجرّد سلوكيات استعراضية، أو سلطة خاوية لا عمق فيها، بينما تراجعت الأنوثة إلى زينةٍ أو هشاشة متستّرة خلف مفردات براقة. وبين هذا التشويه المزدوج، أصبح اللقاء النقيّ بين الأنوثة والرجولة أشبه بالمستحيل.


فالأنوثة في جوهرها ليست دلالًا ولا ضعفًا ناعمًا، تمامًا كما أن الرجولة ليست تسلّطًا ولا قسوة مصطنعة. إنهما، في الأصل، طاقتان كونيتان، تتكاملان لا لتتغلب إحداهما على الأخرى، بل لتُعيدَا للحياة معناها الأكثر سكينةً واتزانًا. من دون هذا التوازن، تتحول العلاقات إلى معارك، ويُستبدل الحبّ بالخوف، والحضور بالهروب.


وهكذا، نشهد اليوم انهيارًا فعليًا لهذا التوازن المقدّس، حيث يهرب الرجل من العمق، ويخاف أن يواجه أنوثة مشعّة تتجاوز الصورة، فيما تختار المرأة العزلة بدلًا من خوض تجربة حبّ قد تعيد إنتاج الجرح ذاته.

المشكلة لم تعُد في الحبّ ذاته، بل في الاختيار… في أن تجد المرأة من لا يُرعبه ضوؤها، من لا يرى في اكتمالها تهديدًا، ومن لا يحاول إطفاءها تحت شعارات الرجولة المعلبة.


لهذا، فالمرأة التي تتوهّج بطاقتها الأنثوية العالية، لا تقتنع   إلا باثنين: إما أن تختار أن تكون عزباء واعية، تملأ وجودها بصدقها مع ذاتها، وتبني عالمها على أساس حرية داخلية كاملة،

أو تختار رجلاً حقيقياً، لا يُريد منها شيئًا سوى أن تكون كما هي: كاملة، نقيّة، حرّة، لا يُقايض حبّه بالشروط، ولا يُراهن على قصّ جناحيها.


إنّ هذا الانهيار في العلاقة بين الأنوثة والذكورة، ليس نهاية العالم، بل لعله فرصة لبداية مختلفة.

إنه دعوة إلى إعادة البناء من جديد…

لبعث الرجولة التي لا تخاف العمق، ولا تهاب الحضور النقي،

واستحضار الأنوثة التي لا تُختزل في الإغواء، ولا تُدفن في الخضوع.

فقط حين يعود هذا التوازن، ستعود العلاقات إلى أصلها: ميثاق نور بين روحين، لا عقد نقص بين كائنين يبحثان في بعضهما عن ما لم يجداه في الواقع 



إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology