حياة أضاعَت النجاة... وخاتمة احتضنت الرحمة

 


 بقلم الكاتبة: سلام أحمد أبو سمره

أرواحٌ تَصِرُّ على البقاءِ،

هناك، في أعماقِهم، قوّةٌ خفيّةٌ لا تُرى،

صامدةٌ في وجهِ عواصفِ الحياةِ،

متعلّقةٌ بالأملِ رغمَ الألمِ،

تتمسّكُ بالبقاء،

تكافحُ الموتَ كأنّه ظلٌّ لا وزن له،

لا يرعبها حضوره، ولا يربكها اقترابه.

تلك الأرواحُ التي لا تعرفُ الاستسلام،

تُثبِتُ أنَّ البقاءَ والانتصارَ خيارٌ، لا قدرٌ،

حتى عندما يحاصرها الظلام،

ويشتدُّ حولها سوادُ الليل،

تتمسكُ بالحياةِ بلا أيٍّ من مقوّماتها.

وعندما يُبترُ إصبعٌ، تستطيعُ بقيّةُ اليدِ أن تعملَ كأنّها لم تفقد شيئًا،

وإن بُترت يدٌ، تُكمّلُ الأخرى وتصبح أقوى،

وإذا بُترت قدمٌ، تقوم الثانية بحملِ كلِّ الحملِ وحدها دون تعب.

يقلُّ الطعامُ، فلا يجدون عائقًا، فالقليلُ يبقيهم أحياء،

وإن انقطع تمامًا، لا يواجهون مشكلة،

لأنّهم سيكملون ما تبقّى من أعمارهم على هذه الأرض،

ثم تمضي أرواحهم خفيفة مطمئنة،

إلى جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار.

في أرضٍ لا تعرف دمعة،

ولا يُسمع فيها أنين،

تُشرق الأرواحُ خاليةً من الألمِ والحزن،

تزهرُ الزهورُ فيها بلا ذبول،

وتطمئن القلوبُ، راضيةً مرضيّة،

متمتعةٌ بأنهارٍ عطرها لا يشبه شيئًا في الدنيا،

تجاوزت جمالَ رائحةِ مسكِ الياقوت،

ونورها لا تغيب عنه شمسٌ ولا قمر،

ونعيمُها لا يخطر على قلبِ بشر.

فيها كلُّ ما فُقد، وكلُّ من رحل،

وكلُّ ما اعتبرناه مستحيلاً،

وفيها لا تثقل الأنفسُ بالهموم،

ولا ينزف القلب، ولا تبكي العيون،

لا أمٌّ تفقد ولدها،

ولا أبٌ تُنتزع منه فتاته المدلّلة،

ولا ابنةٌ تذوق طعم اليُتم،

ولا زوجةٌ تذبل في ثوب الأرملة،

ولا أخٌ تنكسر روحه بفقد أخيه،

رضيعٌ لا يجوع، وبيتٌ لا يُهدم،

ولا رائحة دمٍ تسري في المكان،

لا رُكام يملأ الأرجاء،

ولا داء بلا دواء،

ولا جرحٌ يرفض الالتئام،

لا قِلّة، ولا دمعٌ يختلط بالعِلة.

ويُقال لهم:

"سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ."

الحياة ليست مجرد قصة عن الألم،

ولا تعني أن نبقى ملتصقين به وأحداثنا حوله فقط،

بل هي قصة عن الانتصار، وقوة التخطّي، والصبر،

وبالنهاية، النجاة لا تعني الخاتمة فقط،

بل بداية الرحمة والسلام الأبدي.



27/7/2025


إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology