حين تختفي الأرواح التي تشبهنا

 


قصة قصيرة – بقلم فاتحة الفتنان


في صباح  لا يشبه  الصباحات الفائتة، جلست ليلى إلى طاولة الفطور. نفس الروتين، نفس الفنجان، نفس الوحدة.

تفاحة مقطّعة، خبز محمّص، وقهوة مرّة، ترتشفها ببطء كما لو أنها تبتلع شيئًا أعمق من مذاق، كأنها تعاقر ذاكرتها... أو وهمًا قديمًا اسمه "هو".


منذ رحيله، لم تقل شيئًا. لا دموع، لا شكوى، فقط صمت يشبه غبارًا خفيفًا يغطي الأشياء.

كانت تردد دائمًا أن الحبّ أمان. لكنّه حين غاب، أخذ معه ذلك الأمان، وترك قلبها معلّقًا بين سؤال وسكوت.


قالت لنفسها بصوت بالكاد يُسمع:


"الحب لا يحتاج بطولة، ولا وعودًا تذبل مع الوقت...

الحبّ يحتاج روحًا تُشبهنا."


رفعت عينيها إلى الفراغ، تطلّعت إلى الجدار المقابل حيث تتدلّى صورة قديمة لهما، التُقطت ذات ربيع.

هو يضحك، وهي تنظر إليه كأنها تعرف سلفًا أنها ستفقده.


تذكّرت تلك الليلة، حين قال لها بصوت متردد:

– "أشعر أنكِ تشبهينني كثيرًا... لكن لا أعرف إن كنت أستطيع البقاء."

لم تجب. لم ترجُه، ولم تمنعه.

ربما لأن الحبّ الحقيقي لا يتوسّل، أو لأنها خافت من أن يتحوّل البقاء إلى شفقة.


والآن، بعد عام، أدركت ما لم تفهمه حينها:

كان يخاف من الحب، لا منها.

كان يرى فيه مرآته العارية، تلك التي تكشف هشاشتنا الأجمل، والتي لا أحد يحب أن يواجهها.


أغمضت عينيها، وهمست كأنها تودّع الوهم لا الذكرى:


 فبعض الأرواح لا تختفي،

بل تُحررنا حين تغادر

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology