منفى الحلم



 بقلم يوسف اليامي

يا لهذا التعب الممتد في شرايين الصمت، ويا لهذا الحلم الذي أصبح طريدًا…

كأن الحلم خُلق ليُنفى… ليُبعد عن ملامحنا، ليُقتلع من قلوبنا ونحن نُمسك به كطفلٍ ضائع في زحام الحياة.


كبرتُ وأنا أصدق أن للحلم وطناً، أن له أرضًا تنبت فيها أمانينا، وسقفًا يأوينا حين تعصف بنا رياح الهزائم.

لكنني الآن أدرك… أن الحلم يعيش في المنفى، كما أعيش أنا.


في كل مرة حلمت فيها، جاء الواقع كالسيف ليجزّ عنقه، ويقذف بجثته إلى أقصى الحواف.

في كل مرة، كنت أبني مدينة صغيرة من الطين على أطراف قلبي، أزينها بأضواء الأمل…

لكن المطر كان دائمًا حزينًا، وكان يهدم كل شيء.


"منفى الحلم"…

ليس مكانًا بعيدًا فحسب… بل هو شعورٌ داخلي بأنك غير مسموح لك أن تحلم، بأنك مراقب، مقيد،

وأن كل خطوة نحو النور تكلّفك سنوات من الظلمة.


نُحاول أن نُقنع أنفسنا أن الغد مختلف، أن الحلم سيتسلل في الليل، ويطرق نافذتنا خلسةً…

لكن لا يأتي، ولا يعود، ولا يعتذر.


كم مرة قلتُ في سري:

"سأحاول مرة أخرى"؟

كم مرة حلمت وقلبي يرتجف من الخوف، وكأن الحلم صار تهمة، أو جريمة، أو خيانة!


هُنا في منفى الحلم…

تعيش الأحلام مكسورة الظهر،

مبتورة القدم،

عاجزة عن الركض نحو واقعٍ يحتملها.

نحملها معنا في حقائب الغياب،

نخفيها تحت وسائدنا،

ونهمس لها في آخر الليل: "اصبري".


لكن الحلم يتعب أيضًا،

الحلم له روح، له نبض، له عمرٌ محدود.

وما أقسى أن يموت الحلم في داخلك،

وتبقى أنت حيًّا… تحمله كجثة على ظهرك، لا يعرف عنها أحد.


في "منفى الحلم" نحن لا ننام،

نحن نختبئ.

نُخفي أمانينا كي لا تُؤذى،

نُخفي رغباتنا كي لا تُسحق،

نبتسم كثيرًا كي لا تُكشف جراحنا.


في "منفى الحلم"، حتى الكلمات تخاف أن تُقال.

كل شيء مؤجل، كل شيء مؤلم،

حتى الفرح حين يأتي، يأتي مُرتبكًا، وكأنه ضيفٌ غير مرحب به في مكانٍ اعتاد الحزن.


تعبنا من تأجيل الحياة،

من التظاهر بالقوة،

من دفن كل ما نشتهي في مقابر الصبر.


لم نعد نريد أكثر من حضنٍ نخبئ فيه وجعنا،

ولحظة صدقٍ نصرخ فيها دون أن يُقاطعنا أحد…

"أنا تعبت… أريد أن أحلم، فقط أن أحلم… دون أن يُنفى الحلم، دون أن يُقتل قبل أن يولد."


لكن يبدو…

أننا وُلدنا في زمنٍ لا يحتمل الحالمين،

وأننا كتب علينا أن نحيا في "منفى الحلم" إلى أجلٍ غير مسمى.






إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology