مخاض المدينة





 الكاتبة سكينة الرفوع

تتهاوى أسطورة الوهم ،

الحقائق تختلط ، الرؤى عارمة بالفوضى ، أنياب الصمت تنهش في الأرض ،  وحده أزيز  الرصاص يختلس المداءات ، رائحة الموت تعبق  في ثنايا الآفاق ، هذا الكائن الوحشيّ يتناسل بسرعة بربريّة وهو يقتات كل لحظة على ما تبقى من فتات أجساد مشبعة بالصمود ، مضمخة بالعزة، فلا ينال منها قيد دمعة ،  هناك تبعث الأرض من الماء كعنقاء ، ويغدو الكفن عرسا ،  كيف الخلاص والألم يُخرس المسافات فيقع الزمان أسيرا في سواتر الخذلان ؟!!!

 جاثوم  يوميٍّ  تئن تحت سطوته عيون تواجه حتفها بكبرياء ، ليل يفيض من الجسد ، يرسم تجاعيد الندوب فوق نتوءات الوجع الصارخ بالعجز ...

فالنّزوح نحو الشمس مرصّف بالجراح.... والعتمة تسدل أرديتها فوق أهداب المدينة ، وتترك آثارها في تجاعيد الفصول ...وكلما طال الطريق تجدد المعنى في صورة فارس قادم من الأندلس حاملا  بندقية وغصن زيتون ، يمسح بيده فوق حجر كنعانيّ  ....فيغمر الأرض طوفان من البرق  .....يمطر آذار ، 

فينهض صلاح الدين يا مجرة من أسل وإعصار !!

 يستلّ سيفه من لظى الثأر ،   فيعرض صدره العاري للصاعقة ، ويحارب سدوم ...فيكون هذا الموت مبلل بالحياة ....يردد في نفسه:

"هكذا عدتُ ، فاصفرّ لما رآني يهوذا

" جوع حقدي فاغر فاه سوى أكبادهم لا يشبع الجوع ....

  وجنده ينشدون :

" إنا سنقلع بالرموش الشوك والأحزان...قلعا 

فلنحترق لا لشيء بل ....لنتحد"

الصليب يندى والجراح تنكأ الطغاة ، يتبرعم زهر الدم ، وينقش وشم السمو على جباه الأحرار ....

حين يبكي الماء في النهر ....هناك يكون للموت فاكهة وللحياة حياة ،

"زيوس" يضرب بسيفه عبدة العجل ، يركل تيجان العار، يقطع نسل السبايا ، يبقر بطونهم ، ويجهز على من يستمرئون الذل ، ويلوكون الخيانة ..... فتنطفىء نار القهر ....


 ينهض تموز من رقاده يدوس آكليل الشوك  ...يعبر النهر ،  ينثر السنابل في الحقول ، ، تخضرّ الدجى  فيزهر البرتقال، ويضيء القمح في أغاني الحصاد ، فتطفو العظام شجرا ، يولد شهيد ينقسم إلى سماء وأرض ، يقتات الأمل ، يأخذ من النعاس يقظة حلم ومن البرد دفء ومن الضجيج سكينة ، يرى في حلمه  عشتار متوجة بأكليل الغار ،

تهدي للشمس رسائل يمام تغازل مواويل فرح خجل ، تعد دموع الثكالى أنها في انتظار مبسم جديد،

وتصافح  يد تنبت سنبلة ...

تغرد البلابل ...سيأتي شتاء آخر في مخاض مدينة يسوق اليقين لنصر عظيم  ، ويغني أحمد الزعتر لرغيف الحياة نشيد الحرية ويرقص الأقحوان لخبز التنور ، فتنثر السكينة في عيون الطفولة ، فتفتر القصيدة  عن نواجذها لأبجدية تكتب قوافيها  بأياد مبتورة تفتح نوافذ الحلم .

سنشدو أغاني السندباد في قصص العائدين ، وتعود للبيوت ضحكاتها ، وللجدة حكاياتها ..


 "ما أصغر الموت أمام الحياة الباقية" ستبقى هذه الأرض- اسمها المحفور في أفئدة الأحرار- عنفوان نصر ينقش بصمته على خارطة المجد "



إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology