بقلم :قمر عبدالرحمن
مَا يَكْسِرُ خَاطِرِي يَا أُسْتَاذِي أَنَّ هٰذِهِ الرِّسَالَةَ، رَغْمَ امْتِلَائِهَا بِالشُّكْرِ وَالْحَنِينِ، لَنْ تَحْمِلَ نَظَرَاتِكَ الَّتِي كَانَتْ تُسَبِقُ الْكَلِمَاتِ، وَلَا هَمَسَاتِكَ النَّقْدِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ تُضِيءُ النَّصَّ قَبْلَ أَنْ يُعْرَضَ.
خَمْسُ سَنَوَاتٍ مِنَ التَّوَاصُلِ لَمْ تَكُنْ عَابِرَةً فِي عُمْرِي الْأَدَبِيِّ؛ كُنْتَ خِلَالَهَا النُّورَ الَّذِي يُرْشِدُ الْحَرْفَ حِينَ يَضِلُّ الْمَعْنَى، وَالْيَدَ الَّتِي تَرْفَعُهُ بِرِفْقٍ نَحْوَ الْأَعْلَى.
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ مُتَابَعَتَكَ الْحَثِيثَةَ لِبَرْنَامِجِي وَتَرُ النَّصْرِ، وَكَمْ تَمَنَّيْتُ أَنْ تَكُونَ حَيًّا لِتَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَدَّمْتَهُمْ وَكُتِبَ عَنْهُمْ قَدْ نَالُوا حُرِّيَّتَهُمْ. كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُمْ سَيَخْرُجُونَ، وَأَنَّ لَهُمْ نَصِيبًا مِنِ اسْمِ الْبَرْنَامِجِ.
كُنْتَ تَمْنَحُنِي شُعُورًا بِأَنَّ مَا أُقَدِّمُهُ ذُو قِيمَةٍ، وَأَنَّ الْكَلِمَةَ قَادِرَةٌ عَلَى أَنْ تَصْنَعَ فَرْقًا.
أَمَّا نَصَائِحُكَ الَّتِي كُنْتُ أَظُنُّهَا لَحْظِيَّةً، فَقَدْ غَدَتْ دُرَرًا أَبَدِيَّةً فِي ذَاكِرَتِي الْأَدَبِيَّةِ، أَسْتَنِدُ إِلَيْهَا كُلَّمَا تَرَدَّدْتُ فِي طَرِيقِ الْحَرْفِ، وَكُلَّمَا تَسَاءَلْتُ عَنْ جَدْوَى الاسْتِمْرَارِ.
نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ يَا أُسْتَاذِي، فَقَدْ زَرَعْتَ فِي الْحُرُوفِ بَصْمَةَ الْخُلُودِ، وَذِكْرَاكَ سَتَبْقَى فِي كُلِّ نَصٍّ يَعْلُو بِفَضْلِكَ، وَفِي كُلِّ قَلَمٍ شَبَّ عَلَى يَدَيْكَ.
رَحِمَكَ اللَّهُ زِيَاد جِيُوسِي، وَجَعَلَ الْفِرْدَوْسَ أَمَامَ نَاظِرَيْكَ، كَمَا جَعَلْتَ لِلْإِبْدَاعِ دَرْبًا مُضِيئًا، وَلِأَحْلَامِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ مَعْنًى وَقِيمَةً.