ملاكي الحارس

 



بقلم: ريحاب مدين


قال: من أنت؟

قلت: أنا السؤال!


قال: و هو؟

قلت: هو الإجابة الهائلة التي لا تتكلم!


قال: أغلق الباب، تلك ليلة باردة؟

قلت: لا، سأترك له باب الأمل مفتوحًا،

علّه يومًا ما يأتي!

أو يتسرّب من فتحته الضيّقة...

لا تقلق، إنه كالضوء!


قال: لا تختفي عنه، إنه قلق بشأنك؟

قلت: لا أظن أن يصنع اختفائي فرقًا هائلًا في حياته!


قال: عليك أن تتعافى؟

قلت: كل من أُصيب بغير قلبه... معافى!


قال: وأين هو الآن؟

قلت: يبحث عني في كل الناس!


قال: وأنت؟

قلت: أكتفي به عن كل الناس!


قال: أخرج من وحدتك؟

قلت: الفراغ الذي يسكنني بفراقه... أحب إليَّ من أن أملأه بغيره!

لذا أكتفي بفراغي المحبّب،

وأنعم بجحيم غربتي عن نصفي الضائع!


لست وحيدًا، إني مع الحب حتى تقوم قيامتي!


قال: هل عرف قدر حبك؟

قلت: متأخرًا!


قال: هل حطم قلبك؟

قلت: لو أحبني لكان قاصدًا تحطيم قلبي!

أشياء كثيرة تولّت عنه هذا،

أشياء كثيرة حطّمتني، لكنها فتحت عيناي!


قال: بماذا تسمي علاقتكما؟

قلت: في العلاقات العميقة لا تهم التسميات!

على كل حال، كلانا يحمل داخله نصف ملاكٍ ينادي نصفه الآخر،

سأجد لها اسمًا يجمعهما...

(ملاكي الحارس)


قال: أي الأشياء تجمعكما؟

قلت: يجمعنا الزمان، ولكن فرّقتنا كل الأماكن!

يجمعنا الشعور، ولكن فرّقنا كل منطق!

جمعتنا السكينة، ولكن تنازعتنا مخاوف هائلة!

جمعنا وهجٌ واحد تسرب إلى أعماقنا...

رأى به نفسه، ورأيت به نفسي!


قال: هل كنتما سعيدين معًا؟

قلت: كنا سعداء، لأننا قررنا ألّا يعكر صفونا شيء!

كلانا ينير طريق الآخر،

كلانا يأمن مع الآخر،

هو يهدأ معي، وأنا أزهر به!

لكن كل شيء حولنا كان يحرّمنا أن نكون معًا!

لذا كان التخلي أعلى درجات الحب!

لم أتخلَّ عنه، أنا تخلّيت عن نفسي!

ليتني أكف عن الطواف حول نفسي!


قال: أرسل له؟

قلت: كل رسائلي إليه كانت ناقصة،

تعمدت ألّا أكملها،

أخفيت عنه أن تكملتها كان بكاء!


قال: كيف تنسجم مع الفراق؟

قلت: الأرواح المتشابهة تنسجم على أي حال!


قال: ولماذا تفارقه؟

قلت: كي لا أتسبب له بالحزن!


قال: امكث معه قليلًا، إنه يريدك بحياته؟

قلت: يكفيني بكاء!

ليتني اقتسمت معه آخر ضحكاتي...

قبل أن ينفرد قلبي بهذا الحزن الطويل!


قال: وهل أخطأت معه؟

قلت: أعترف، كان عليّ أن أعي الفرق بين أن يكون أحدهم بقلبي...

وأن يكون بحياتي!


قال: انتظر، ربما يحدث أمرًا ما؟

قلت: مكثت حياتي أنتظر صدفة...

والصدفة كانت هو!

هو غيّر مجرى أيامي!


قال: أتتحدث عن ملاك؟

قلت: لا، لكني أخبرتك أنه نصف ملاك!


قال: كامل هو إذن؟

قلت: لا، لكن وجدت عنده شيئًا ينقصني!


قال: وهو، هل أخطأ معك؟

قلت: كان على صواب، صوابه وضعه على حافة الخطأ!

صدقني، لم يخطئ مرة واحدة... حتى من أجلي!


قال: وما تلك بيدك؟

قلت: بضع أوراق كنت أقرأها أمامه كي أُشعره بالسعادة!

خذها، لا قيمة لها الآن...

قيمتها كانت في كونه يسمعها!


تلك أوراقي بمثابة سهمٍ أخير في كنانتي،

كان عليّ أن أُحسن تصويبه قبل أن ينتهي العمر!

أنا انشغل بها كثيرًا إلى الحد الذي يُلهيني عن تعاستي!


تلك أوراقي تدون بين سطورها أحاديث عن العذاب،

تفسرها وتحسن تلاوتها،

تلك أوراقي تمسّ شيئًا بي،

تمسّ شيئًا به!


تلك أوراقي تروي أحاديث عن العذاب،

تلك أوراقي تجرني لأحاديث عن الحب،

تلك أوراقي تفضح موضعًا قديمًا للضعف لديّ!

تلك أوراقي تجرني إلى طريقٍ شائكٍ مشيت فيه بقدمي الحافية!


تلك أوراقي تبعثني من موتي،

إنها صحائفي المخفا،

توقظ في أحشائي ضجيجًا يبتلعني،

يسد أذنيّ!


تلك أوراقي تذكرني دومًا بشيءٍ أود نسيانه!


انتظر... لا تهمس... اسمع معي هذا الصوت...


قال: ألم أقل لك أغلق الباب؟ إنه صوت الريح يدوي في الليالي الباردة!

قلت: حقًا، إنه صوت الريح الذي يحرك الأبواب المغلقة،

لكن لقلبي... يهزّها فتحدث دقاته صوتًا يخيفني!

أخشى على قلبي منه!


أبوابي قديمة، وأقفالها صدئت منذ عهدٍ بعيد،

وتلك الريح تحمل لي مفتاحًا ذهبيًا يفتح كل شرايين قلبي،

كي يبوح... يثرثر...

يفشي سرًّا كان به مخفيًا،

يصف موضعًا منسيًا للحنان،

موضعًا مختبئًا للرقة...


حين كان يحمل بجوفه طيفًا حائمًا،

لنصف ملاكٍ يناجي نصفه الآخر،

ليتّحدا معًا على حافة الكون...


ملاكي الحارس

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology