بقلم: عمر أشرف
في عالم يتسارع فيه كل شيء، تبقى السينما القصيرة مساحة ثمينة للشباب للتعبير عن أنفسهم وعن محيطهم، بعيدًا عن قيود الإنتاج التجاري الضخم. بالنسبة لي، الفن ليس مجرد أدوات وتقنيات، بل هو رؤية ترتبط بالمكان، بالهوية، وبالقصص التي نحلم أن نرويها. منذ أكثر من عشر سنوات، بدأت صناعة الافلام، مدفوعًا برغبة في فهم العالم من حولي وإعادة خلقه بصريًا.
المكان دائمًا كان جزءًا أساسيًا من عملي الفني. القاهرة القديمة، شوارعها المزدحمة، كلها عناصر تلهمني لإيجاد اللقطة الصحيحة التي تعكس الحياة كما أراها. في كل فيلم قصير أصنعه، أحاول أن يكون المكان نفسه جزءًا من القصة، لا مجرد خلفية. المدينة، الطبيعة، أو أي موقع أصوره، يصبح شخصية إضافية، يضيف بعدًا وعمقًا، ويخلق شعورًا بالمكان والزمان.
السينما المستقلة في مصر اليوم تمثل تحديًا وفرصة في آن واحد. الكثير من الشباب يصنعون أفلامهم بشكل مستقل، بموارد محدودة، لكن بشغف لا يمكن تجاهله. التحديات كثيرة: التمويل المحدود، صعوبة الوصول إلى الجمهور، ندرة المهرجانات، وحتى القيود اللوجستية. ومع ذلك، تستمر الأفلام القصيرة في أن تكون منصة للشباب للتعبير عن أفكارهم وهويتهم الثقافية. لكل فيلم قصير قصة وراءه، عن شغف، عن صبر، عن محاولة لإيصال صوت مختلف.
كصانع أفلام، أؤمن أن من المهم أن يتحدث المرء عن تجاربه الشخصية، وأن يشارك جزءًا من حياته في أعماله، سواء كانت أفلامًا وثائقية أو روائية. هذه التجارب تضيف صدقًا وعمقًا للفيلم، وتسمح للجمهور بالاتصال العاطفي مع العمل بشكل أعمق. كل لحظة حقيقية، كل تجربة عاشها صانع الفيلم، تصبح مادة غنية تمنح الفيلم طابعًا فريدًا ومؤثرًا.
هويتي المصرية كانت دائمًا جزءًا لا ينفصل عن أعمالي. من حضارتنا العريقة إلى التفاصيل اليومية للشارع المصري، كل هذه العناصر تلهمني وتغذي رؤيتي السينمائية. هذا الالتزام بالهوية لا يقلل من الطموح للوصول إلى جمهور عالمي، بل يجعل ألاعمال أكثر صدقًا وإبداعًا.
الفن أيضًا يمكن أن يكون منصة للتوعية بالقضايا المهمة، مثل الاستدامة والبيئة. أنا شخصيًا مهتم بأن تعكس أفلامي حسًا بالمسؤولية تجاه بيئتنا المحيطة. في بعض مشاريعي، أحاول دمج عناصر بيئية أو تسليط الضوء على ممارسات تؤثر في حياتنا اليومية، ما يضيف بعدًا آخر للعمل الفني ويمنحه قيمة أكبر على المستويين الشخصي والمجتمعي. الفن هنا يصبح وسيلة للتغيير، ليس فقط للترفيه، بل للوعي والتأثير.
السينما القصيرة، في جوهرها، مدرسة لكل صانع أفلام. فهي تجعلك تتعامل مع كل الجوانب بنفسك: الإخراج، الكتابة، المونتاج، إدارة الممثلين، وحتى التسويق وعرض الفيلم. هذه التجربة الشاملة تمنحك خبرة حقيقية لا يمكن اكتسابها إلا بالممارسة العملية، وتؤكد أن الشغف والإبداع يمكن أن يتجاوز أي قيود مادية.
بالنسبة لي، كل فيلم قصير هو محاولة لإيجاد توازن بين الحلم والواقع، بين التجربة الشخصية والهوية الثقافية، بين الفن والرسالة. أنا أؤمن أن الشباب هم محرك السينما المستقلة، وأن قدرتهم على التعبير عن أنفسهم وعن محيطهم هي ما يجعل السينما نابضة بالحياة ومتجددة.
في النهاية، تظل السينما المستقلة مساحة حرة تعكس أصوات الشباب وهويتهم، وتجعل الفن أداة للتواصل، للتعبير. سواء كانت عن مكان، عن حضارة، عن البيئة، أو عن إنسان، ستظل السينما حية، نابضة، وقادرة على إلهام كل من يشاهدها. وأنا، مثل كثيرين من جيلي، سأستمر في صنع تلك القصص، وأحاول أن أجعل كل فيلم رحلة صادقة تعكس روحي وبيئتي وهويتي المصرية.




