الزرّ الأخير "مونودراما سوداء "

 




بقلم: بلعربي خالد _هديل الهضاب 


(إضاءة خافتة. رجل أمام مرآة مشروخة. يحمل زرًّا صغيرًا مكسورًا بين أصابعه.)

الرجل (بصوت ساخر متوتر):

زرّ واحد فقط… تخيّلوا!

كل ما تبقّى بيني وبين الاحترام… كان هذا الزرّ الصغير.

كنتُ أستيقظ كل صباح، أرتدي معطفي الرسمي،

أُحكم أزراره كمن يغلق أسراره على نفسه…

ثم أذهب إلى الدائرة الحكومية،

حيث البيروقراطية أطول من طوابير الفقراء،

والابتسامات تُعلّب مثل أوراق المعاملات.

(يضحك ضحكة قصيرة يملؤها الخجل)

وفي ذلك الصباح… سقط الزرّ الأخير!

تدحرج على الأرض أمام باب المدير،

كأنه يهرب من هيبة المكان.

المدير نظر إليّ طويلاً… ثم قال ببرود:


"كيف نثق في موظف لا يستطيع أن يضبط حتى أزراره؟"


منذ تلك اللحظة، لم يسقط الزرّ وحده…

سقطت كرامتي معه.


(يتنفس بعمق، يتحدث لنفسه كأنه في مناظرة داخلية)

بحثت في كل الأسواق عن زرّ يشبهه.

كل الأزرار كانت لامعة أكثر، أو غريبة الشكل، أو "ليست من مقام معطفي".

حتى الخياط سخر وقال لي بابتسامة خفيفة:


"الأزرار لا تصنع الرجال يا سيدي."


(بغضب مكتوم)

لكنهم لا يفهمون!

في هذا العالم… الأزرار هي من تصنعنا!

من لا يملك زرًّا يُغلق معطفه، لا يملك ما يُغلق به فمه أيضًا.

(نبرة أكثر سوداوية، يقترب من الجمهور)

في المطعم نظروا إليّ كأنني أرتدي فضيحة،

وفي المستشفى كتبوا في السجل: "المريض بلا زرّ."

حتى الممرضة أشاحت بوجهها وكأن عدوى النقص قد تنتقل إليها.

لقد أصبحتُ نصف رجل…

كأن احترام الناس يقاس بعدد الأزرار التي في صدرك.

(يسكت لحظة، ثم يبتسم ابتسامة باردة)

لكن لا تقلقوا… لقد وجدت الحل.

لن أترك هذا الزرّ يهرب مجددًا…

سأخيطه في جلدي.

(ينظر إلى الزر بوله، ثم يرفعه إلى الضوء)

هكذا سأكون دائمًا رسميًا…

حتى في الجنون.

(ضحكة قصيرة تذوب في الصمت)

في النهاية،

 كلنا مجرد أزرار في معطف كبير…

بعضنا يُخاط بخيط ذهبي، وبعضنا يُرمى في الدرج…

وينتظر أن يتذكره 



إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology