البيت الملعون – الجزء الثالث: مرآة الدماء

 



مهندسة شهد القاضي




مرت ثلاثة أيام على اختفاء ليلى، والبيت ما زال صامتًا كما لو أنه ابتلعها عن قصد.. لكن في كل فجر، كان الجيران يسمعون صوت الماء يُسكب على الأرض، وصوت فتاةٍ تهمس من الطابق العلوي:


"إنه لا ينام... لا أحد ينام هنا"


أُرسل أحد رجال الشرطة لتفتيش المنزل، يُدعى النقيب “سالم”... كان صارمًا لا يؤمن بالخرافات، يظنّ كل ما يُقال مجرد تهيؤاتٍ من الناس.. دخل البيت بخطواتٍ واثقة، لكن ما إن أغلق الباب خلفه، حتى شعر أن صوته قد اختفى من العالم.. الهدوء في ذلك المكان لم يكن طبيعيًا، بل كثيفًا، كأنه سجادة من صمتٍ حيّ.


بدأ يتفحص المكان... كل شيء مغبّر، لكن آثار الأقدام كانت حديثة.. قادته إلى الطابق العلوي.. هناك، توقّف أمام الباب المغلق.. القفل مكسور، والرموز على الجدار تُشبه الجروح المفتوحة.. دخل الغرفة ببطء، وأشعل مصباحه اليدوي.. كانت المرآة مغطاة بالقماش الأسود مجددًا، رغم أن تقرير الجيران ذكر أنها كُشفت آخر مرة قبل اختفاء الفتاة.


تقدّم منها سالم، وبحركةٍ حذرة رفع الغطاء.. انعكس وجهه فيها أولًا... ثم ظهر خلفه ظلّ طويل يتحرك ببطء.

التفت بسرعة، لكن الغرفة كانت فارغة.. عاد بنظره إلى المرآة، فرأى نفسه مشنوقًا.. تراجع مذعورًا، والمصباح يسقط من يده.. لكن الظلام لم يُخفِ ما كان يظهر في الزجاج.. في العمق، بدأت تتكوّن صورة أخرى... وجه ليلى، شاحبة، عيناها غائرتان، ودموعها تتساقط على خدّيها كأنها تنزف.. قالت بصوتٍ خافت:


"أغلق المرآة... أغلِقها قبل أن يسمعك"


كان قلبه يضرب كطبول حرب.. وقبل أن يستوعب، سمع صوت تنفسٍ خلفه.. استدار، فرأى رجلاً عجوزًا عارياً إلا من عباءةٍ رمادية، وجهه مغطى بالرموز نفسها التي كانت على الجدار،

وفي يده مرآة صغيرة مكسورة.. قال له بصوتٍ أجشّ يشبه الريح في المقابر:


"كل من يرى صورته هنا... يُستبدل"


رفع العجوز المرآة المكسورة، وانعكست فيها صورة سالم — لكن انعكاسه ابتسم قبل أن يفعل هو.. ثم شعر ببرودةٍ قاتلة تجري في عروقه، شعر أن شيئًا يسحبه من الداخل، يفصل روحه عن جسده كما تُنتزع صفحةٌ من كتاب... وفي اللحظة التالية، انهار جسده أرضًا، فيما انعكاسه في الزجاج ظلّ واقفًا ينظر نحوه... يبتسم.


وفي اليوم التالي، دخل فريق الإنقاذ... فوجدوا البيت خالياً إلا من مرآتين: واحدة كبيرة عليها أثر يدٍ دامية،

وأخرى صغيرة ملتصقة بالجدار، تُظهر ظلّين يتحركان داخلها... كأنهما عالقان هناك إلى الأبد.. وكأن المرآة لم تكتفِ بعد.


يتبع....

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Recent in Technology