بقلم د.بدرية مانع
أوراقها مبعثرة على الطاولة الخشبية، والحبر قد جف على طرف ريشتها. من نافذتها، تشاهد الأرصفة تعج بالشتات المُريب. كائنات تسيربخطى متثاقلة،
لا وجود لتلك العواصف التي تهب فجأة في قلبها، ولا لتلك الأسئلة التي تأكل روحها المتجددة. تراقبهم في تساؤل دفعها لالتقاط ريشتها بتردد...
" حسناً...لاتصدق نصف ماتراه، ولا كل ماتسمعه"!
كانت الشمس معلقة في كبد السماء.." شمس الشتاء...أوه لطيف"
من النافذة العالية في غرفتها، بدت المدينة التي رُسمت مرة واحدة وإلى الأبد. عشوائية بشكلٍ قاسٍ، متراصة بتناقض، تمتلىء بالزوايا الشاردة والحوادث المفاجئة، لا إيقاع في الروتين، لا استحقاق يضبط الحركة، مجرد تعثر...والكثير من التعثر،
الحشد يتردد، ولا عينان تلتقيان في دهشة أو تساؤل. وجوه متآكلة ، غوغاء جليد، لا تفسر العمق.
كل شيء يجري كما ينبغي له أن يجري. حتى العواصف أضحت تهب باستئذان.
ظلت تحدق مليا في ذات المشهد المتهالك حد الاختناق.تحركت يدها ببطء واضعة ريشتها بجانب المحبرة ثانية، وهي تفكر في كل تلك التصدعات " كم تلد من خلالها الحكايات"!
استدارت بعيدا عن النافذة، محدقة بصمت في غرفتها،
صمت مليئ بالأسئلة المعلقة في الهواء، حقا..لطالما كانت غرفتها عالما حقيقيا قائما بذاته.
اخترق سكون المكان صوت حاد ومفاجئ
صوت بكاء حقيقي وجاد...عنيد...ممتلئ بالحياة.
"إنه صوت بكاء طفل"
"لنتفق بأنه الصوت الحقيقي بصدق في خضم كل تلك القوالب الزائفة"
التقطت أوراقها الفارغة لتملأها بحياة ممتدة، والكثير من الثبات المباغت، صانعة منها طائرات ورقية متعددة الألوان، تحملها تيارات الهواء في دعة، ليلتقطها العديد من الأطفال والقليل من المارة.
عادت للنظر إلى المدينة وهذه المرة بعد أن ملأت سماءها بفوضاها المقدسة، لتنعم بسلامها الخاص، بعد أن شاركته مع الحياة دون اكتراث بكل مايحيط بها من أقنعة.
-تمت-
شتاء٢٠٢٥
