بقلم كميلة نوري العكيدي
قال الأحنف بن قيس رحمه الله
(جنّبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام فإني أبغض الرجل أن يكون وصافا لفرجه وبطنه)
حين قرأت تلك الجملة علمت انها اختصرت ما ضاع في زماننا من رجولة الفكر ورصانة الحديث. كانت المجالس في الماضي تُدار حول الرأي والمشورة والسياسة والحرب والعلم والشأن العام، أما اليوم فكثير من الرجال إذا اجتمعوا ضاعت أوقاتهم بين وصف مأكول ومشروب، وحديث عن النساء كأن لا شأن لهم في الحياة غير الشهوات.لقد أصبحنا نرى المجالس التي يُفترض أن تكون ساحةلتبادل الأفكار أو مناقشة القضايا العامة، مجالس فارغة إلا من لغو الحديث والتعليق على المظاهر. يتباهى بعضهم بما أكل أو بما اشتهى، ويُكثر أخرون من الحديث عن النساء وعلاقاتهم الغرامية الماجنة كأنهم لم يُخلقوا إلا لذلك، فتتقلص عقولهم إلى شهوة بطن وشهوة فرج.والأدهى أن هذه الأحاديث لا تنفع دنياه ولاترفع شأنه ولا تُصلح آخرة، فلا سياسة تُناقش، ولا شأن اجتماعي يُعالج، ولا فكرة تُبنى. غابت قضايا الوطن والناس عن ألسنة كثير من الرجال،فلا جفاف نهر دجلة يهمه ولا خور عبد الله يسترعي انتباهه بل غلبته أحاديث اللهو والاستهلاك، ففقدت المجالس هيبتها، وضاع أثرها التربوي والفكري.
الرجل الحقيقي يُعرف بموضوع حديثه، كما تُعرف قيمة المجلس بنوعية النقاش الدائر فيه. فإذا كان الحديث عن هم عام أو قضية فكرية أو شأن من شؤون الأمة، دل على عقل راجح ونفس كبيرة، أما إذا كان المجلس يدور حول لذائذ الطعام وجمال النساء، فهو مجلس أبدان لا أرواح، وألسنة لا عقول وأي عقول؟ غادرت الرأس فاستقرت في المعدة او في فرجه.
أن الرجل الذي يضبط لسانه، يضبط فكره وسلوكه، وأن من لم يتجاوز حدود بطنه وفرجه، فلن يكون له أثر في دنيا الفكر ولا في مسار الإصلاح.
فلتجعلوا من مجالسنا منابر تفكير ونقاش، لا موائد لهو وحديث فارغ. فالأمم لا تنهض بكثرة الطعام ولا بجمال النساء، بل بعقول رجالها، وصدق حواراتهم، واهتمامهم بما يُصلح الأرض والناس.
فأن العاقل من إذا جلس رفع قيمة المجلس.
